ينقسم علم البديع في البلاغة العربية إلى قسمين، وهما المحسنات اللفظية، والمحسنات المعنوية، أمّا المحسنات المعنوية فتهدف إلى تحسين المعنى بشكلٍ أساسيّ، ومن أهم الأمثلة عليها: المطابقة، المقابلة، التقسيم، الالتفات، الجمع، التفريق، المبالغة، الإغراق، الغلو، الجمع مع التفريق، الجمع مع التقسيم، وغيرها من المحسّنات،[١] وسيتم الاقتصار في هذا المقال بالحديث الجمع مع التفريق والتقسيم بشيء من التوضيح.


الجمع مع التفريق والتقسيم

يُعرّف الجمع مع التقسيم وفق علماء البديع على أنّه: الجمع بين شيئين أو أكثر في حكم واحد، ثم التفريق بينها في ذات الحكم، وبعد ذلك يتم التقسيم بين الشيئين أو الأشياء المفرقة من خلال إضافته إلى كل ما يلائمه ويناسبه، وفيما يلي أمثلة توضيحية:[٢]


المثال
التوضيح
الجمع
التفريق
التقسيم
قوله تعالى: "يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ".[٣]
الجمع بالمثال هي (نَفْسٌ)، فالله تعالى جمع الأنَفْس بقوله "لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ" ثم تمّ التفريق بين هذه الأنَفْس بتصنيفهم إلى صنف شَقِي وصنف سَعِيد، وبعد ذلك قسم الأنَفْس من خلال الإضافة للأشقاء ما لهم من عذاب جهنم، وللسعداء ما لهم من نعيم الجنة
نَفْسٌ
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
النَّارِ والجنة

قول الشاعر:
لِمُـخـتَـلِفِ الحـاجـاتِ جَـمـعٌ بِـبابِهِ *** فَهَذا لَهُ فَنٌّ وَهَذا لَهُ فَنُّ.
فَلِلخامِلِ العُليا وَلِلمُعدمِ الغِنى *** وَلِلمُذنِبِ العُتبى وَلِلخائِفِ الأَمنُ.
جمع الشاعر مختلفي الحاجات في حال واحدة وهي (الاجتماع أمام بابه)، ثم فرّق بينهم في ذلك الحال من حيث إن كلاً منهم له وضع أو ظرف خاص يخالف وضع غيره، وبعد ذلك عاد فقسّم أصحاب الحاجات من خلال الإضافة إلى كل واحد منهم ما يناسب وضعه، فجعل للخامل العليا، وللمعدم الغِنى، وللمذنب العُتبى، وللخائف الأمن.
الاجتماع أمام بابه
هَذا لَهُ فَـنٌّ وَهذا لَهُ فَنُّ
فَلِلخامِلِ العُليا وَلِلمُعدمِ الغِنى وَلِلمُذنِبِ العُتبى وَلِلخائِفِ الأَمنُ


مثال تدريبيّ

التدريب (1) حدد/ي الجمع مع التفريق والتقسيم في الأمثلة التالية:


المثال
الجمع
التفريق
التقسيم
بعد إعلان النتائج وجدت التلاميذ مجتمعين؛ منهم من هو ناجح سعيد ومنهم من هو فاشل حزين؛ فأما السعيد فهو فرح وأهله فرحون؛ وأما الحزين فهو مغموم وأهله مغمومون.
التلاميذ
ناجح سعيد وفاشل حزين
فرحون ومغمومون
بعد انتهاء العاصفة الرملية وجدت الملابس ملقاة؛ منها ما هو متسخ ومنها ما هو نظيف؛ فأما المتسخة فهي بيضاء اللون؛ وأما النظيفة فهي سوداء اللون
الملابس
متسخ ونظيف
بيضاء اللون وسوداء اللون
عند اصطدام الحافلتين نزل الركاب إلى جانب الشارع؛ منهم من هو مصاب ومنهم من هو سليم؛ فأما المصاب فهو من كان يجلس في مقدمة الحافلة؛ وأما السليم فهو من كان يجلس في الخلف.
الركاب
مصاب وسليم
من كان يجلس في المقدمة ومن كان يجلس في الخلف
بعد انتهاء الامتحان الفصلي تجمّع الطلاب الممتحنين في ساحة المدرسة؛ منهم من كان مبتسم ومتفائل ومنهم من كان عابس وحزين؛ فأما من كان مبتسم ومتفائل فهو الطالب المجتهد المثابر؛ وأما من كان عابس وحزين فهو الطالب الكسول المقصر بدراسته.
الطلاب الممتحنون
مبتسم ومتفائل
وعابس وحزين
المجتهد المثابر والطالب الكسول المقصر بدراسته


الجمع مع التفريق

يمكن تعريف الجمع مع التفريق وفق علماء البديع على أنّه: الجمع بين شيئين في حكم واحد ثم التفريق بينهما في ذلك الحكم، ويبيّن الجدول التالي بعض الأمثلة التوضيحية:[٢][٤]


مثال
توضيح
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً).[٥]
في هذه الآية تمّ الجمع بين كل من الليل والنهار في حكمٍ واحد، (وهو دليلان على قدرة الله تعالى وحكمته)، وبعدها تمّ التفريق في ذلك الحكم من جهة أنّ النهار يكون مضيئاً، بينما الليل يكون مظلماً.
قوله تعالى: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[٦]
في هذه الآية تمّ الجمع بين كل من الإنسان والشيطان في حكمٍ واحد، (بأن كليهما خلقهما الله تعالى)، وبعدها تمّ التفريق في ذلك الحكم من جهة أنّ الإنسان مخلوق من طين، بينما الشيطان مخلوق من نار.
قول الشاعر:
فوجهك كالنار في ضوئها *** وقلبي كالنار في حرها
في هذا البيت الشعري تمّ الجمع بين كل من وجه المحبوبة وقلبه في حكمٍ واحد، (وهو أنّهما كالنار)، وبعدها تمّ التفريق في ذلك الحكم من جهة أنّ وجه المحبوبة منير ووضّاء، كضوء النار، بينما وجه المحبوب كالنار في حرّها.


الجمع مع التقسيم

يُعرّف الجمع مع التقسيم وفق علماء البديع على أنّه: جمع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه، أو العكس أي تقسيم متعدد ثم جمعه تحت حكم، ويبيّن الجدول التالي بعض الأمثلة التوضيحيّة:[٢][٤]


مثال
توضيح
قول المتنبي:
حتى أقام على أرباض خرشنة *** تشقى به الروم والصلبان والبيع
للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا *** والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
في هذا المثال تمّ الجمع أولاً، حيث جمع المتنبي الروم بما فيهم النساء، والأولاد، والأموال... على حكم واحد، وهو (الشقاء)، وبعدها أرجع كل شيء منهم إلى ما يناسبه مثلاً، أرجع السبي إلى ما نكحوا، وللنار ما زرعوا.
قوله تعالى: (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).[٧]
في هذه الآية تمّ الجمع أولاً، حيث جمع الله الأنفس بما فيها المتوفية، والتي لم تمت على حكم واحد، وهو (الوفاة)، وبعدها تم تقسيمها؛ فيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
قول الشاعر:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهمُ *** أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محـــــدثة *** إن الخلائق فاعلم شرها البدع
قسم الشاعر في البيت الأول صفة الممدوحين في ضر الأعداء، ونفع الأشياع والأولياء، ثمّ عاد فجمعها في البيت الثاني، بقوله (سجية تلك).


المراجع

  1. لينا فهد، المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية، صفحة 1-5. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت
  3. سورة هود، آية:105-108
  4. ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 312. بتصرّف.
  5. سورة الإسراء، آية:12
  6. سورة الأعراف، آية:12
  7. سورة الزمر، آية:42