إذا سألتَ شخصًا كم رأس مالك؟ وأجابك: الرضا بما وهب الله والخُلق الحسن، فإن أسلوب إجابته هذه تسمى الأسلوب الحكيم لأنه قد صرفك عن الجواب الذي تنتظره وهو القيمة المالية وأجابك إجابة أخرى كي يوضّح لك أن الرضا والخُلُق الحسن أفضل ما يمكن أن يجنيه الإنسان في حياته، والأسلوب الحكيم يندرج تحت المحسنات البديعية المعنوية التي تختص بتزيين الكلام وتحسينه على مستوى المعنى، ويُقصد به تلقي المخاطب بغير ما يترقبه، إمّا بترك سؤاله والإجابة عن سؤال لم يسأله، أو يحمل كلامه على غير ما كان يقصد إشارة إلى أنّه كان ينبغي أن يسأل هذا السؤال أو يقصد هذا المعنى، وأوّل من تنبه إلى هذا النوع من البديع المعنوي هو الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، وأسماه اللغز في الجواب، وهذا المقال سيركّز على توضيح معنى الأسلوب الحكيم من خلال طرح الأمثلة والتدريبات العمليّة عليه.[١]
أمــثـــلـــة توضّـــح الأسلوب الحـــــكــــيــم
وفيما يلي بعض الأمثلة التي ورد فيها أسلوب الحكيم وشرحها بشكل تفصيليّ:[٢]
الجــــــــــمــــــلـــة | تـــــــــــــــوضيــــــــح الأُسلوب الحـــــكـــــــــيم |
قال تعالى:" يسألونكَ عن الأهلّة قل هي مواقيتُ للناس والحجّ".[٣]
| أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم سألوه عن الأهلّة لمَ تبدو صغيرة ثمّ تزداد حتى يتكامل نورها؟، وهذه مسألة من مسائل علم الفلك ولكي تُفهم وتُدرس تحتاج إلى وقت ودراسة عميقة ودقيقة، ولكن القرآن الكريم صَرَفهم عن ذلك ببيان أن الأهلّة وسائل للتوقيت في العبادات والمعاملات، إشارة منه إلى أن الأولى بهم أن يسألوه عن الهدف منها، وإشارة إلى أن البحث في العلوم يجب أن يؤجّل حتى يستقرّ الإسلام. |
قال تعالى:"يسألونك ماذا يُنفقون، قل ما أَنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، وما تفعلوا من خير فإنّ الله به عليم".[٤]
| سألوا الرسول صلى الله عليه عن حقيقة ما ينفقونه فأجابهم ببيان طرق إنفاق المال، في إشارة إلى أن هذا هو الأولى والأجدر بالسؤال عنه. |
قال ابن حجّاج: قال ثقّلتُ إذ أتيْــــــتُ مرارًا قُلْتُ ثقلتَ كاهلي بالأيـــادي قال طوّلتُ قلتُ أوليْتَ طولًا قال أَبرمتُ قلتُ حبلَ ودادي | صاحب ابن حجّاج يقول له قد ثقّلت عليك بكثرة زياراتي فيصرفه عن رأيه في أدب وينقل كلمته من معناها إلى معنى آخر، ويقول له: إِنّك ثقّلت كاهلي بالنعم التي أغدقتها علي. |
قال الحجّاج للقبعثري متوعدًا:" لأحملنّك على الأدهم". | قصد الحجاج في كلمة الأدهم القيد الحديدي الأسود، وقال القبعثري: مثل الأمير يُحمل على الأدهم والأشهب، يقصد الفرس الأسود والفرس الأبيض، قال له الحجاج: أردتُ الحديد، فقال القبعثري: لأن يكون حديدًا خير من أن يكون بليدًا، وقصده من ذلك تخطئة الحجاج لأنّه لا يليق به الوعيد وإنّما الوعد. |
إضـــــــــاءة
أسلوب الحكيم قد يأتي من خلال السؤال والجواب، وقد يأتي في المخاطبة بدون سؤال وجواب، وأركان أسلوب الحكيم ثلاثة توضحها النقاط الآتية:[٥]
- الركن الأول: مُخاطَب ومُخاطِب أو سائل ومُجيب.
- الركن الثاني: الإجابة بغير ما يترقب أو العدول عن الجواب إلى غيره.
- الركن الثالث: مراعاة الأولى بحال المخاطب أو السائل.
التــــدريـــب الأول
وضّح أسلوب الحكيم الوارد في الجمل الآتية:
الجمــــــلـــــــــة | توضـــــــيح أُســـلوب الحكـــــــــيم |
قيل لشيخ هَرِم: كم سنّك؟ فقال: إنّي أنعم بالعافية. | |
"طلبتُ منه درهمًا يومًا فأظهَرَ العَجَب وقال ذا من فضّة يُصنعُ لا من الذّهب". | |
"ولمّا نعى النّاعي سألناه خشيـــــــةً وللعين خوف البين تسكاب أمطار أجاب قضى! قلنا قضى حاجة العُلا فقال مضى! قلنا بكل فخــــــــــار". | |
دخل سيد بن أنس على المأمون فقال له المأمون: أنتَ السيّد، فقال: أنتَ السيَد وأنا ابن أنس. | |
سُئل غريب عن دينه واعتقاده، فقال: أُحبّ للناس ما أحب لنفسي. | |
لمّا توجّه خالد بن الوليد لفتح الحيرة أتى إليه من قبل أهلها رجل ذو تجربة، فقال له خالد: فيم أنتَ؟ قال: في ثيابي، فقال: علامَ أنت؟ فأجاب: على الأرض، فقال: كم سنّك؟ قال: اثنتان وثلاثون، فقال: أسألك عن شيء وتجيبني بغيره؟ فقال: إنّما أجبتُ عمّا سألتَ. | |
قيل لتاجر: كم رأس مالك؟ فقال: إنّي أمين وثقة الناس بي عظيمة. | |
"ولقد أتيْتُ لصاحبي وسألتُه في قرض دينارٍ لأمر كانا فأجابني والله داري ما حوت عـــينًا فقلتُ له ولا إنسانا". | |
سئل أحد العمّال ما ادخرت من المال؟ فقال: لاشيء يُعادل الصحة. |
التدريب الثاني
أجب عن الأسئلة الآتية باستخدام الأسلوب الحكيم:
- كم مرةً ختمتَ القرآن الكريم في رمضان؟
- كم ثمن ثوبك؟
- كم دخل أبيك؟
- كم سنةً قضيتَ في التعليم الجامعي؟
- هل أنت من طبقة الأثرياء؟
- هل انتهيت من قراءة كل الكتب في مكتبك؟
يمكنك الاطلاع أيضاً على مقال: (التجريد في البلاغة)، و(علم البديع في البلاغة).
المراجع
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم البديع، صفحة 183-182. بتصرّف.
- ↑ أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 320-319. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:189
- ↑ سورة البقرة ، آية:215
- ↑ محمد بن عمر، الأسلوب الحكيم في الحديث النبوي، صفحة 8. بتصرّف.