إذا قال لك شخص: لا عيب فيك غير أنّك تسامح كثيرًا وتصفح وقلبك طيب نقي، في البداية نفى القائل العيب عنك ثم أتى بكلمة (غير) فأوهمك أنّه سيذكر عيبًا في شخصيتك ولكنه جاء بصفات طيبة على عكس المتوقع، وهذا الأسلوب هو من الأساليب البلاغية في اللغة العربية، ويُسمّى بتأكيد المدح بما يُشبه الذم كما يوجد عكسه أي تأكيد الذم بما يشبه المدح، وأوّل من تنبّه إلى هذا النوع هو عبد الله بن المعتز، في كتابه البديع وعدّه من محاسن الكلام، ومن البلاغيين من يسميه الاستثناء لأنّهم يظنّون أنّ حسنه المعنوي آتٍ من أثر أداة الاستثناء، وهذا المقال سيركّز على توضيح هذا الأسلوب من خلال عرض مجموعة من الأمثلة وتحليلها، إلى جانب طرح تدريب عمليّ.[١]


تأكــــيد المــــدح بما يشــــبه الـــذم

وتأكيد المدح بما يشبه الذم يأتي على قسمين رئيسيين يوضّحها الجدول التالي:[٢]

  • أَن يُستثنى من صفة ذم منفية صفة مدح.
  • أَن يُثبت لشيء صفة مدح، ويُؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أُخرى.


الجــــــــــمــلـــــــــــــــــــــــــــة
توضـــيــــح تأكــــيـــد المـــــدح بــما يشــــبه الـــذّم فــــيها
نوع تأكــيد المدح بما يُشبـــه الـــذم
قال ابن الرومي:

ليس به عيبٌ سوى أَنّه لا تقع العــينُ على شِبهـــــه



في البداية نفى ابن الرومي العيب عن ممدوحه بشكل عام، وأتى بعدها بأداة استثناء هي (سوِى) فسَبَقَ إلى تفكير السامع أنّ هناك عيبًا في الممدوح، وأنّ ابن الرومي سيجرؤ على التصريح به، ولكن السامع وجد بعد أَداة الاستثناء صفة مدح كما وجد أن ابن الرومي خدعه فلم يذكُر عيبًا، بل أكّد المدح الأول في صورة توهم الذّم.
اُستثني من صفة الذم المنفية ( العيب) صفة مدح (لا تقع العين على شبهه).
قــال شاعـــــر:

ولا عيْبَ في معروفهم غير أنّه يُبيّن عجز الشاكرين عن الشكر

في البداية نفى الشاعر العيب في معروف الممدوح تمامًا قائلًا ( لا عيْبَ)، وأتى بعدها بأداة استثناء هي (غير) للإيهام بأنّه سيأتي بعيب أو ذمّ بعدها، ولكنه قال صفة مدح إضافية وهي أن الشاكرين يعجزون عن شكر المعروف وفي الحقيقة هذا ليس ذمًّا وإنّما مديح بما يُشبه الذّم.
اُستثني من صفة الذم المنفية (العيب في المعروف) صفة مدح ( يبيّن عجز الشاكرين عن الشكر).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أَنا أفصح العرب بيْد أنّي من قُريش".
في هذا الحديث وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بصفة ممدوحة وهي أنه أفصح العرب، وبعدها أتى بأداة استثناء (بيْـــدَ) فدهش السامع، وظُنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي بصفة غير محبوبة ولكن جاء بصفة ممدوحة بعد أداة الاستثناء وهي أنّه من قريش وقريش أفصح العرب بلا نزاع، وهذا توكيد للمدح الأول في أسلوب اعتاد الناس سماعه في الذّم، وهذا هو تأكيد المدح بما يشبه الذم.
إثبات صفة المدح (أنا أفصح العرب) وتلاها أداة استثناء (بيْدَ) تلتها صفة مدح ( أنّه عليه الصلاة والسلام من قريش).
قال النابغة الجعدي:

فتى كَمُلَت أخلاقه غير أَنّه جوادٌ فما يُبقي على المال باقيا

في البيت مدح الشاعر الممدوح بأنّه كامل الأخلاق وبعدها جاء بكلمة (غير) وفي هذا إيحاء إلى أنّه سيأتي بصفة ذم لكنه أكمل بصفة مدح قائلًا إنّه جواد، وفي هذا تأكيد المدح بما يُشبه الذّم.
إثبات صفة المدح
( فتى كمُلت أخلاقه) ثم الإتيان بأداة استثناء (غير) تلتها صفة مدح أخرى
( جواد).


تــــــــأكـــــيد الــــذّم بمـــا يُـــشــــبه المـــدح

وتأكيد الذّم بما يُشبه المدح يأتي على قسمين رئيسيين:[٢]

  • أَن يُستثنى من صفة مدح منفيّة صفة ذم.
  • أن يُثبت لشيء صفة ذم، ثم يؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة ذم أُخرى.


الجـــــمــــلــــــــــة
تــــــــــــأكــــــيــــد الـــــذمّ بما يشــــــبه المـــــــدح
نوع تأكيد الذم بما يشبه المدح

قول أحدهم: " لا جمالَ في الخطبة إلّا أنّها طويلة في غير فائدة".
في هذا المثال بدأ القائل بذم الخطبة بأنّها ليست جميلة وأتى بأداة استثناء فأَوْهَمَ السامع أنّه سيقول مدحًا لكنه أكمل في الذّم قائلًا إنّها أيضًا طويلة وغير مفيدة، وهذا من تأكيد الذّم بما يُشبه المدح.
اُستثني من صفة المدح المنفية ( لا جمال) صفة ذم ( طويلة في غير فائدة).

قال أحدهم:" القومُ شِحاحٌ إلّا أنّهم جُبَنَاء".
في هذا القول بدأ القائل بقوله: إن القوم شحاح وهذه صفة ذميمة وبعدها جاء بأداة استثناء وهي إلّا وفي هذا إيهام بأنّ القائل سيأتي بصفة مدح إلّا أنّه أتى بصفة ذميمة أخرى وهي الجُبن ليؤكد الذم بما يُشبه المدح.
أُثبتت صفة ذم ( شحاح) ثم أوتي بعدها باستثناء يليه صفة ذم أخرى (الجبن).

الطلاب متأخرون إلا أنّهم كُسالى.
في هذه الجملة بدأ القائل قوله بإثبات صفة التأخير للطلاب ثم أتى بعدها بأدة استثناء (إلاّ) وهنا يتوهم المتلقي أنّ القادم صفة مدح إلا أنّه يأتي بصفة ذم أخرى ( كُسالى).
أُثبتت صفة ذم (التأخير) ثم أوتي بعدها باستثناء يليه صفة ذم أخرى (الكسل).

لا فائدة من الكتاب إلّا أنّه طويل والتكرار فيه كثير.
في هذه الجملة بدأ القائل قوله بأن لا فائدة من الكتاب وأتى بأداة استثناء موهمًا المتلقي أن الآتي مدح ولكنه أتى بصفتي ذم وهما الطول وكثرة التكرار.
استنثني من صفة مدح منفية (لا فائدة) صفة ذم وهي الطول والتكرار.


تــــــــــــدريـــــــب

ميّز أسلوب تأكيد المدح بما يُشبه الذّم من تأكيد الذّم بما يُشبه المدح مع شرحه في الأمثلة الآتية:[٣]


الجـــــــــملـــــــــــة
تـــــــــــوضــــــــيح الأُســـلــــــــــوب
قال ابن نباتة المصري:

ولا عيبَ فيه غير أنّي قصدته فأَنستني الأيامُ أهــلًا وموطــنا


لا فضلَ للقومِ إلّا أَنّهم لا يعرفون للجار حقّه.


وجوهٌ كأزهار الرّياض نضارةً ولكنّها يوم الهياج صخُــور



تُعدّ ذنوبي عند قومٍ كثيرة ولا ذنبَ لي إلّا العُلا والفضائِلُ


الكلام كثير التعقيد سوى أنه مُبتذل المعاني.


ولا عيبَ فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب



ولا عيبَ فيكم غير أنّ ضيوفكم تُعابُ بنسيان الأحبة والوطن.


لا حُسنَ في المنزل إلّا أنّه مظلمٌ ضيق الحُجُرات.

هو بذيء اللسان غير أن صدره مجمع الأضغان.


المراجع

  1. عبد العزيز عتيق، علم البديع، صفحة 164. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 315-313. بتصرّف.
  3. علي الجارم ومصطفى أمين ، البلاغة الواضحة، صفحة 294-293. بتصرّف.