قال عبد المؤمن الأصفهاني:لا تغرّنّك من الظَّلَمَة كثرة الجيوش والأنصار، "إنّما يُؤخرّهم ليومٍ تشخَصُ فيه الأبصار"،[١] في هذه الجملة أراد القائل إيصال معنى أنّ عاقبة الظلم وخيمة حتى لو كثُر مؤيدوه ومناصروه، وقد أكّد قوله بما يقطع الشك باليقين بقول الله عزّ وجل الذي لا يعلو عليه قول أنّ عاقبة الظلم ولو تأخّرت إلى يوم القيامة فإنّها آتية لا محالة، فقد يقول شخص لآخر ظلمه: "افعل ما شئتَ، لأنّك ستلقى الله ولن ينسى الله ما فعلتَ، "وما كان ربّك نسيا"،[٢] فالقائل هنا قوّى معنى جملته بتأكيد قطعي بقوله تعالى: "وما كان ربّك نسيّا"، أي أنّ الله لا ينسى، وهذه الطريقة في الكتابة أو الكلام تسمّى الاقتباس، وهذا المقال سيركّز على تعريف الاقتباس إلى جانب طرح الأمثلة والتدريبات العمليّة عليه.[٣]
تعــريف الاقـــتـــباس وأمـــثلــة عــلـــيه
الاقتباس هو تضمين النّثر أو الشّعر شيئًا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، من غير دلالة على أنّه منهما، ويَجوز أن يُغيّر في الأثر المُقتبس قليلًا، والجدول الآتي يحتوي على أمثلة توضّح مفهوم الاقتباس:[٤]
الجــــــــملــــة | الاقــــتــــباس الـــوارد فـــيهــــا |
قال ابن سناء المُلك: رحلُوا فلستُ مسائلًا عن دارهم*** أنا" باخعٌ نفسي على آثآرهم". | في بيت الشعر الاقتباس جاء بتضمين بيت الشعر جملة "أنا باخعٌ نفسي على آثآرهم"، وأصل الآية "فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم"،[٥] وقد سبقت الإشارة إلى أنّه يجوز أن يُغيّر في الأثر المُقتبس قليلًا، ولكن الجملة تظل جملة والآية آية من القرآن الكريم. |
عندما قابلتُها شعرتُ بأنّني مرتاحة عند حديثي معها، ليس غريبًا فالأرواح جنودٌ مجندة. | في هذه الجملة الاقتباس في جملة "الأرواح جنود مجنّدة"، اقتباس من حديث نبوي شريف إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكَرَ منها اختلف".[٦]
|
لا تستقلّ من المعروف شيئًا، فكلّ معروف صدقة. | في هذه الجملة جملة (كلّ معروف صدقة)، اقتباس حرفي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال: "كُلّ معروف صدقة".[٧]
|
مثــــال تـــدريـــبي (1)
هاتِ ثلاثة أمثلة على الاقتباس، ووضّح الاقتباس في كلّ مثال:
الجـــــملــــة | توضيـــح الاقــــتـــباس فـــي المـــــثال |
قال الشاعر: لا تطمعوا في النزر من نيْله *** هيهاتَ هيهاتَ لما تُوعَدون | الاقتباس في جملة (هيْهاتَ هيْهاتَ لما تُوعدون)،[٨] اقتباس من الآية الكريمة في سورة المؤمنون، ولم يُحدِث الشاعر أي تغييرعند الاقتباس. |
قال الشاعر: لا تُعاشر معشرًا ضلّوا الهُدى *** فسواء أقبلوا أم أدبــروا بدت البغضاء من أفواههم *** والذين يخفون منها أكبر | الاقتباس في جملة (بدت البغضاء من أفواههم والذين يخفون منها أكبر)، اقتباس من الآية الكريمة "قد بَدَت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صُدورهم أكبر"،[٩] مع إجراء تغيير لضرورة الوزن. |
قال الشاعر: قد كانَ ما خفتَ أن يكونا *** إنّا إلى الله راجعونا | الاقتباس في جملة (إنّا إلى الله راجعونا)، اقتباس من الآية الكريمة: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"،[١٠] وقد حدث تغيير في الاقتباس للضرورة الشعرية. |
مثــــال تـــدريـــبي (2)
هات مثالين على الاقتباس من الحديث النبوي الشريف مع توضيح ما جاء فيه:[١١]
المــــــثــــــــال | توضيـــح الاقـــتـــباس الــذي جـــاء فــــيه |
قال الشاعر: إذا ما أنتَ لم تستحِ فاصنع *** كما تختار وافعل ما تشاء | في الشطر الأول من البيت (إذا أنتَ لم تستحِ فاصنع) اقتباس غير حرفي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنّ مما أدرك النّاس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ".[١٢]
|
قال الشاعر: إنّما الأعمال بالنيّات قد *** نصّه عن سيد الخلق عمر | في الشطر الأول من البيت (إنّما الأعمال بالنيّات) اقتباس حرفي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكل امرئ ما نوى".[١٣]
|
يمكنك الاستفادة أيضاً من مقال: "الصورة الشعرية"، و"التجريد في البلاغة"
المراجع
- ↑ سورة إبراهيم ، آية:42
- ↑ سورة مريم، آية:64
- ↑ علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، صفحة 269-271. بتصرّف.
- ↑ عماد العاني، تطويع المفاهيم البلاغية، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية:6
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2638، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:6021، صحيح.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:36
- ↑ سورة آل عمران، آية:118
- ↑ سورة البقرة ، آية:156
- ↑ أناهيد الركابي، الاقتباس من الحديث النبوي الشريف في شعر ابن جابر الأندلسي، صفحة 211. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3483، صحيح.
- ↑ رواه ابن تيمية، في مجموع الفتاوى، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:208، مشهور بالصحة.