يُقسم علم البلاغة إلى ثلاثة علوم، وهي: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع، ويشتمل علم البيان على كل من: التشبيه، المجاز، الكناية، والاستعارة، وفي هذا المقال سنتحدث عن كل من الكناية والمجاز المرسل، ونوضح الفرق بينهما.


تعريف الكناية

الكناية هي لفظ أُريد به غير معناه الذي وضع له، مع جواز إرادة المعنى الأصلي لعدم وجود قرينة مانعة من إرادته، فعلى سبيل المثال، إذا قلنا (زيدٌ طويلُ النجادِ)، فإننا نعني أنَّه "شجاع عظيم"، وبدلًا من التصريح بهذه الصفة، أشرنا إليها بشيء تترتب عليه وتلزمه، فالنجاد هو حمالة السيف، ويلزم طول حمالة السيف طول صاحبه، ويلزم من طول الجسم عادة الشجاعة، إذًا المقصود هو شجاعته حتى لو لم يكنْ له نجاد، لكن يصح أن يكون المقصود هو المعنى الحقيقي وهو أن حمالة سيفه طويلة بالفعل.[١]


وكذلك إذا قلنا (فلان طويلُ اليد)، فالمقصود من هذه العبارة أنَّه "سارق"، ولكن يصح أن يكون المقصود المعنى الحقيقي والحرفي وهو أنَّه فعلًا يده طويلة وذلك لعدم وجود قرينة تمنع من إرادة هذا المعنى الحقيقي، وبناءً عليه يمكننا القول بأنَّ الكناية لفظ يعتمد على معنيين، أحدهما ظاهر غير مقصود، والآخر مخفي وهو المقصود، لكن يجوز أن يكون المراد هو فعلًا المعنى الظاهر.


أقسام الكناية

تُقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام، وهي:[٢]

  • كناية عن صفة: وهي إخفاء الصفة مع ذكر الدليل عليها، أي يكون المكنّى عنه صفة، كما في الأمثلة التالية:
  • (اصفرَّ وجهُ الطالبِ عندَ الامتحانِ): كناية عن الخوف.
  • (محمدٌ بيتُهُ مفتوحٌ): كناية عن الكرم والسخاء.
  • (احمرَّ وجهُ الفتاةِ): كناية عن الحياء.
  • (هذا الرجل بطنه كبير): كناية عن الجشع والطمع.
  • قوله تعالى: (ولا تجعلْ يدَكَ مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلَّ البسطِ فتقعد ملومًا محسورًا[٣]: "يدك مغلولة" كناية عن الشح والبخل، و"تبسطها كلَّ البسط" كناية عن التبذير والإسراف.


  • كناية عن موصوف: وهي إخفاء الموصوف مع ذكر الدليل عليه، كما في الأمثلة التالية:
  • (والذي نفسُ محمدٍ بيده): كناية عن ذات، وهو الله سبحانه وتعالى.
  • (نحنُ أبناءُ النيلِ): كناية عن مصر.
  • (وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ): كناية عن السفينة.
  • (أبو الأنبياء): كناية عن آدم عليه السلام.
  • (سيفُ الله المسلول): كناية عن خالد بن الوليد.
  • (كليمُ اللهِ): كناية عن موسى عليه السلام.
  • (روحُ اللهِ): كناية عن عيسى عليه السلام.


  • كناية عن نسبة لموصوف: وهي أن تذكر الصفة والموصوف، وتذكر الدليل على اختصاص الصفة بالموصوف، كما في الأمثلة التالية:
  • (العدلُ في ركابِ عمرَ): كناية عن نسبة العدل لعمر.
  • (الأدبُ حولَ الطالبِ): كناية عن نسبة الأدب للطالب.
  • (سارَ الكرمُ خلفَ عثمانَ): كناية عن نسبة الكرم لعثمان.
  • (تتبَّعَ الحياءُ خطواتِ مريمَ): كناية عن نسبة الحياء لمريم.
  • (الصدقُ في لسانِهِ): كناية عن نسبة الصدق للسانه.


تعريف المجاز المرسل

لكي نتوصل لتعريف المجاز المرسل، علينا أولًا أن نعرف ما المقصود بالمجاز وما هي أقسامه، فالمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له؛ لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة ما وضع له اللفظ، أي المعنى الحقيقي،[٤] ويُقسم المجاز إلى قسمين، هما:


  • المجاز العقلي: ويكون في الإسناد، أي إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له، وذلك لعلاقة تربط بينهما مع وجود قرينة تمنع الإسناد الحقيقي، ولا يكون إلا في التركيب، مثل: (رصفَ المسؤول شوارع القرية)، حيثُ إنَّ المسؤول لم يقمْ برصف الشوارع بنفسه، ولكنَّه هو سبب الرصف، وهذا الإسناد يكون لسبب الفعل، ولا يجوز أن يُراد المعنى الحقيقي وهو أنَّ المسؤول هو الذي رصف، إذ إنّ الإسناد يكون للفعل أو مصدره أو مكانه أو زمانه، ومثال الإسناد إلى المصدر: (علي جُنَّ جنونه)، فالذي جنَّ هو علي، ولكن نسبته للمصدر مجاز، ومثال الإسناد إلى الزمان: (دارَتْ بي الأيام)، فالإنسان هو الذي يدور في تلك الأيام، فنسبة الدوران إلى الأيام مجاز، ومثال الإسناد إلى المكان: (ازدحمَتْ المدينة)، فالناس هم مَنْ يزدحمون في المدينة وليست المدينة نفسها، فنسبة الازدحام إلى المدينة مجاز.


  • المجاز اللغوي: ويكون في نقل الألفاظ من حقائقها اللغوية إلى معانٍ أُخرى بينها صلة ومناسبة، وهذا المجاز يكون في المفرد، كما يكون في التركيب المُستعمل في غير ما وضع له، والمجاز اللغوي نوعان:
  • الاستعارة: وهي مجاز لغوي، تكون العلاقة فيه بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي المشابهة، مثل: (رأيْتُ زهرةً تحمِلُها أُمها)، أي رأيْتُ طفلةً كالزهرةِ في نضارتِها وجمالِها.
  • المجاز المرسل: وهو مجاز تكون العلاقة فيه غير المشابهة، وسُمي مرسلًا لأنَّه لم يُقيد بعلاقة المشابهة، أو لأنَّ له علاقات شتى، وفيما يأتي بعض من هذه العلاقات:[٥]


بعض علاقات المجاز المرسل
مثال
الكلية (يُذكر الكل ويُراد الجزء).
(شربْتُ ماء النيل)، أي بعض الماء.
الجزئية (يُذكر الجزء ويُراد الكل).
(واركعوا مع الراكعينَ)، أي "وصلوا"، فالركوع جزء من الصلاة.
المحلية (يُذكر المكان ويُراد مَنْ به).
(حكمَتْ المحكمة بقطع يد السارق)، فالمقصود قاضي المحكمة وليس المحكمة نفسها.
الحالية (يُذكر مَنْ أو ما في المكان، ويُراد المكان نفسه).
(نزلْتُ بالقومِ فأكرموني)، والمقصود دار أو مكان القوم.
المُجاورة (وهي أن يكون الشيء مجاورًا لغيره فيُطلق عليه اسمه).
(طعَنْتُ بالرمح ثيابه)، أي جسمه، حيثُ ذكر لفظ "ثيابه" ولم يقصده نفسه، بل يقصد ما يجاوره وهو الجسم.
السببية (وهي أنْ يُذكر السبب والمراد المُسبب، أو أن يُعبر بذكر السبب للدلالة على النتيجة).
(للأب على أبنائه أيادٍ كثيرةٌ)، المقصود بـ "أيادٍ" هي النعم، لأنَّ النعمة تصدر عن اليد، فاليد هي سبب النعمة.


الفرق بين الكناية والمجاز المُرسل

بناءً على كل ما وضحناه سابقًا، فإنَّ الفرق بين الكناية والمجاز المُرسل هو كالتالي:[٦][١]


الكناية: هي استعمال اللفظ في غير ما وُضع له في الأصل، مع جواز إرادة المعنى الأصلي لعدم وجود قرينة مانعة من إراداته، مثل:

  • (هذا الرجلُ ناعمُ الكفينِ): كناية عن أنَّه لا يعمل، فلو أنَّه يعمل لكانت كفاه خشنتين، ولكن يجوز إرادة المعنى الحقيقي وهو نعومة الكفين؛ وذلك لعدم وجود قرينة مانعة من إراداته.
  • (عضَّ الراسب على أصابعه): كناية عن الندم، لكن يجوز إرادة المعنى الحقيقي وهو عض الأصابع للفعل؛ وذلك لعدم وجود قرينة مانعة من إرادته.


المجاز المرسل: هو استعمال اللفظ في غير ما وُضع له في الأصل، ولا يجوز إرادة المعنى الأصلي لوجود قرينة مانعة من إرادته، فالقرينة هي التي تمنع الذهن من أن ينصرفَ إلى المعنى الوضعي الأصلي، مثل:

  • (انتصرَ النمرُ على خصمه بالضربة القاضية)، فلفظ النمر مجاز عن الملاكم، ولا يصح أن يُراد معناه الحقيقي وهو الحيوان المعروف وذلك لوجود قرينة مانعة وهي "الضربة القاضية".
  • (قامت المدرسة برحلة)، فالمعنى الأصلي هو المدرسة بأبوابها وفصولها وجرسها، والمعنى المجازي هو طلاب المدرسة والمدرسون، والمُراد هو المعنى المجازي، فـ "قامت برحلة" هو القرينة المانعة من أن يكون المقصود هو المدرسة نفسها.




الفرق بين الكناية والمجاز المرسل، هو وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي بالمجاز المرسل، وعدم وجودها في الكناية.




المراجع

  1. ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 287-288. بتصرّف.
  2. أيمن أمين عبد الغني، الكافي في البلاغة، صفحة 94 - 97. بتصرّف.
  3. سورة الإسراء، آية:29
  4. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 251. بتصرّف.
  5. أيمن أمين عبد الغني، الكافي في الباغة، صفحة 139 - 145 . بتصرّف.
  6. أيمن أمين عبد الغني ، الكافي في البلاغة، صفحة 138. بتصرّف.