تعدّ الاستعارة من أقسام علم البيان وتندرج تحت باب المجاز وقد عرّفها الأوائل على أنّها تسمية الشيء باسم غيره إذ قام مقامه، وهذا تعريف الجاحظ، أمّا القاضي الجرجاني فقد قال عنها: "فأمّا الاستعارة فهي أحد أعمدة الكلام وعليها المعوّل في التوسع والتّصرف، ولها يتوصل إلى تزيين اللفظ وتحسين النّظم والنّثر، وأبو الحسن الرّماني فقد حدّد تعريفها بقوله: "الاستعارة استعمال العبارة على غير ما وُضعت له في أصل اللغة، وعرّفها ضياء الدين بن الأثير بقوله: "الاستعارة هي طيّ ذكر المستعار له الذي هو المنقول إليه، والاكتفاء بذكر المستعار الذي هو المنقول"، وكثيرًا ما تُطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به في المشبه، فيُسمّى المشبه به مستعارًا منه، والمشبه مستعارًا له، واللفظ مستعارًا، ومن التعريفات السابقة يُستنتَج أنّ الاستعارة ضرب من المجاز اللغوي علاقته المشابهة دائمًا بين المعنى الحقيقي، والمعنى المجازي، وللاستعارة أنواع متعدّدة يوضّحها هذا المقال.[١]


أنواع الاستعارة بحسب طرفيها

من تعريفات الاستعارة أنّها تشبيه قد حُذف أحد طرفيه، فإذا حذف المشبه به سُميّت بالاستعارة المكنية، وإذا حُذف المشبه سميّت الاستعارة تصريحية، والجدول الآتي يوضّح معنى الاستعارة التصريحية والمكنية إلى جانب طرح مثالين توضيحيين:[٢]

1-الاستعارة التصريحية

2- الاستعارة المكنية


نـــــوع الاستعـــــــــــارة
مثــــال توضيـــحـــي
الاستعارة التصريحية: وهي الاستعارة التي يُصرّح فيها بلفظ المشبه به، ويُحذف المشبه.
قال تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"،[٣] المشبه به في الآية الكريمة الظلمات والمشبه الضلال وقد حُذف، والمشبه به النور والمشبه الهداية والإيمان وقد حُذف، وبما أنّ المشبه به قد ذُكر وحُذف المشبه فإنّ هذه الاستعارة هي استعارة تصريحية.
الاستعارة المكنية: وهي الاستعارة التي يُصرّح فيها بلفظ المشبه، ويحذف المشبه به ويُكنّى عنه بشيء من لوازمه.
قال الشاعر:
لا تعجبي يا سلمُ من رجلٍ *** ضحكَ المشيبُ برأسه فبكى
المشبه في الجملة المشيب، والمشبه به الإنسان وقد حُذف، واللازمة التي دلّت على المحذوف هي الفعل ضحك لأنّ الضحك من خصائص الإنسان، وبما أنّ المشبه قد ذُكر وحُذف المشبه به وكنّي عنه بشيء من لوازمه ( ضحكَ) فإنّ هذه الاستعارة هي استعارة مكنية.


الاستعارة بحسب الكلمة التي تقع فيها

تقسم الاستعارة إلى استعارة أصلية وتبعية بحسب اللفظ الذي جرت فيه، والجدول الآتي يوضّح التقسيم:[٤]

1- الاستعارة الأصلية

2-الاستعارة التبعية


نــــــــــــــوع الاســــــتـــــعــــــــارة
مــــثـــــــال تـــوضــــــيــــــحـــــــي
الاستعارة الأصلية: تُسمّى الاستعارة أصلية إذا كان اللفظ الذي جرت فيه اسمًا جامدًا.
قال الشاعر:
يا كوكبًا ما كان أقصر عمره * * * وكذاك عمر كواكب الأسحار
في هذا البيت شبه الشاعر ابنه بالكوكب بجامع صغر الجسم وعلوّ الشأن، على سبيل الاستعارة التصريحية، واللفظ الذي جرت فيه الاستعارة (كوكب) هو اسم جامد لذلك فإنّ هذه الاستعارة استعارة أصلية.
الاستعارة التبعية: تُسمّى الاستعارة تبعية إذا كان اللفظ الذي جرت فيه مشتقًا أو فعلًا.
قال شاعر يخاطب طائرًا:
أنتَ في خضراء ضاحكة * * * من بكاء العارض الهتن
شبه الإزهار بالضحك بجامع ظهور البياض في كل، ثم اُستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثمّ اشتق من الضحك بمعنى الإزهار (ضاحكة) بمعنى مُزهرة، ولأن اللفظ الذي جرت فيه الاستعارة (ضاحكة) مشتق جاءت الاستعارة هنا تبعية.


الاستعارة باعتبار الملائم

تنقسم الاستعارة من حيث اقتران طرفها ببعض الصفات إلى استعارة مرشحة، ومجرّدة، ومُطلقَة، والجدول الآتي يوضّح تعريف كل منها مع طرح مثال توضيحي:[٥]

1- الاستعارة المرشحة

2- الاستعارة المجردة

3- الاستعارة المطلقة


نــــــــوع الاستـــــعــــــارة
مـــــثــــــال توضـــــيـــــحــــي
الاستعارة المرشحة: هي الاستعارة التي يُذكر معها مُلائم المشبه به.
قال تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم"،[٦] في الآية استعارة تصريحية فقد ذكر المشبه به (الاشتراء)، وحذف المشبه (الاختيار)، بجامع الفائدة في كل منهما، وقد ذكر مع المشبه به ما يلائمه وهو "ربحت تجارتهم"، لذلك فإنّ هذه الاستعارة استعارة مرشحة.
الاستعارة المجردة: هي الاستعارة التي يُذكر معها ملائم المشبه.
قال قائلٌ: "لا تتفكّهوا بأعراض الناس، فشرّ الخُلُق الغيبة"، شُبّه التكلّم في الأعراض بالتفكّه، وذكر المشبه به (تتفكّهوا)، وحُذف المشبه على سبيل الاستعارة التصريحية، ولكنّه ذكر في الاستعارة ما يلائم المشبه (التكلّم في الأعراض) وهو (شر الخُلق الغيبة)، لذلك فإنّ هذه الاستعارة استعارة مجرّدة.
الاستعارة المُطلقة: ما خلَت من ملائمات المشبه به أو المشبه.
قال المتنبي يخاطب ممدوحه:
يا بدر يا بحر يا غمامة يا * * * ليث الشرى يا حمام يا رجل
في البيت استعارة تصريحية في كل من بدر، وبحر، وغمامة، وليث الشرى، وحمام، فالمشبه هنا الممدوح، والمشبه به البدر مرة، والبحر مرة ثانية، والغمامة مرة ثالثة، وليث الشرى مرة رابعة، والحمام مرة خامسة، والاستعارات السابقة خالية مما يلائم المشبه أو المشبه به، لذلك فهي استعارات مُطلقة.

الاستعــــارة التمـــثـــيــلــيـــة

تُعرّف الاستعارة التمثيلية على أنّها تركيب اُستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة معناه الأصلي، يُقال: "قطعت جهيزة قول كل خطيب"، لمن يأتي بالقول الفصل، فهذه الجملة مَثل عربي أصله أنّ قومًا اجتمعوا للتشاور والخطابة في الصلح بين حيين، قتل رجلًا من أحدهما رجلًا من الحي الآخر، وإنّهم لكذلك فإذا بجارية تدعى جهيزة أقبلت فأنبأتهم أنّ أولياء المقتول ظفروا بالقاتل فقتلوه فقال قائل منهم: "قطعت جهيزة قول كل خطيب"، وهو تركيب يُتمثل به في كل موقف يؤتى فيه بالقول الفصل.


إضـــاءة (1)

إلى جانب ما سبق تُقسم الاستعارة إلى عنادية ووفاقية، العنادية هي الاستعارة التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد لتنافيهما، فمن غير الممكن اجتماع النور والظلام مثلًا، أمّا الاستعارة الوفاقية فهي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد لعدم التنافي، إذ يمكن مثلًا اجتماع النور والهدى، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: "أومن كان ميتًا فأحييناه"،[٧] في هذه الآية شُبه الضلال بالموت، وشُبهت الهداية بالحياة، ففي الجزء الأول الاستعارة عنادية إذ لا يمكن اجتماع الضلال والموت، أما في الجزء الثاني فالاستعارة وفاقية إذ يمكن اجتماع الهداية والحياة، فالله سبحانه وتعالى هادٍ ومحي.


إضاءة (2)

يُقصد بالقرينة في الاستعارة المكنية الدليل أو الكلمة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقي وتدل على المشبه به المحذوف، والقرينة في الاستعارة قد تكون حالية كما في التمثيلية أو لفظية كما في الاستعارة المكنية.


أمثلة تدريبية

مثال تدريبي (1)

وضّح نوع الاستعارة فيما يلي:


الجــــــــملــــة
توضــــيـــــح الاستــــــعــــــارة
حادثتُ بحرًا بهرني حسن بيانه.
المشبه به كلمة ( بحرًا ) والمشبه الممدوح، وقد ذُكر المشبه به وحُذف المشبه على سبيل الاستعارة التصريحية.
قال الحجّاج: " إنّي لأرى رؤوسًا قد أينعت، وحان قطافها، وإنّي لصاحبها".
المشبه في الجملة كلمة ( رؤوس) وقد ذُكر المشبه، أمّا المشبه به فهو ( الثمار) وقد حُذف، وقد دلّ على الكلمة المحذوفة ( أينعت، وقطافها) لأنهما من خصائص الثمار، والاستعارة هنا استعارة مكنية.


مثال تدريبي (2)

هات مثالًا على كل نوع من أنواع الاستعارة المذكورة في الجدول الآتي:


نــوع الاستـــعــــارة
المــــــــــــــــثـــــــــــــــال
الاستعارة التمثــيــــلية
قال المتنبي: ومن يَكُ ذا فمٍ مـــر مريض * * * يجد مرًا به الماء الزّلالا.
الاستعارة الأصــلـــية
قال الشاعر: حول أعشاشها على الأشجار * * * قد سمعنَ القيان وهي تغني
الاستعارة التــبعــــية
قال تعالى: " ولمّا سكتَ عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة".[٨]


مثال تدريبي (3)

وضح الاستعارة التمثيلية في الجملتين الآتيتين:


الجـــمـــلــــة
توضيــــح الاستعـــــارة التمثـــيلــــيــــة
من أمثال العرب لمن يريد بناء بيت:
قبل الرّماء تملأ الكنائن.
شُبه حال من يريد بناء بيت قبل إعداد المال له، بحال من يريد القتال وليس في كنانته سهم، بجامع أن كلًا منهما يتعجّل الأمر قبل أن يعدّ له عدّته، ثم استعير التركيب الدّال على حال المشبه به للمشبه، على سبيل الاستعارة التمثيلية، والقرينة حالية.
تُقال جملة: " أنتَ ترقم على الماء"، لمن يلّح في شأن لا يمكن الحصول منه على غاية.
شبه حال من يلح في الحصول على أمر مستحيل، بحال من يرقم على الماء بجامع أنّ كلًا منهما يعمل عملًا غير مثمر، ثم استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية والقرينة حالية.


المراجع

  1. عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 173-175. بتصرّف.
  2. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 260. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية:257
  4. علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، صفحة 82-86. بتصرّف.
  5. علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، صفحة 89-92. بتصرّف.
  6. سورة البقرة ، آية:16
  7. سورة الأنعام ، آية:122
  8. سورة الأعراف ، آية:154