ينقسم علم البلاغة العربية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، هي: علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع، ويأتي المجاز من ضمن علم البيان ويُعرَف المجاز اللغوي على أنّه أي كلمة اُستعملت في غير معناها الحقيقي، ولا شك في أنّك قد سمعت بالتشبيه والاستعارة وهما من ضمن المجاز، وبعض الدّارسين يخلطون بينهما إلا أنّ التمييز بينهما ليس بالأمر الصعب، فالاستعارة هي تشبيه حُذف أحد طرفيه الرئيسيين، فإذا قُلتَ: الحقيقة كالشمس، الحقيقة مشبه، والشمس مشبه به، ووجه الشبه الوضوح، وأداة التشبيه الكاف، وفي هذه الجملة ذُكرَ طرفا التشبيه المشبه والمشبه به، ولكن إذا حُذف المُشبه أو المشبه به من الجملة أصبح الفن البلاغي الذي تنتمي إليه الجملة هو الاستعارة، وهذا المقال سيركّز على توضيح الفرق بين الاستعارة التصريحية والاستعارة المكنية، من خلال تعريف كلّ منهما وذكر الأمثلة التوضيحية عليهما.[١]


الفرق بين الاستعارة المكنية والاستعارة التصريحية

سبقت الإشارة إلى أنّ الاستعارة هي تشبيه حُذف أحد طرفيه، والجدول الآتي يوضّح الفرق بين الاستعارة التصريحية والاستعارة المكنية:[٢]


نـــــوع الاستعـــــارة
أطــــراف التشبــــيــــه
مثــــال توضيــحـــي
الاستـــعـــارة التصريحــية
هي الاستعارة التي يُصرّح فيها بلفظ المشبه به ويُحذف المشبه.
قال تعالى: "كتابٌ أنزلنه إليك لتخرج النّاس من الظلمات إلى النّور"،[٣] يُقصد بكلمة الظّلمات في الآية الكريمة الضّلال، ويُقصد بكلمة النور الهداية والإيمان، وقد ذُكر المشبه به
(الظلمات، النّور) على الترتيب، وحُذف المشبه وهو (الضّلال، الهداية) على الترتيب، لذلك فإنّ هذه الاستعارة استعارة تصريحية.
الاســـتعــــارة المكـــــنيـــة
هي الاستعارة التي يُذكر فيها المشبه ويُحذف المشبه به ويُكنّى عنه بشيء من لوازمه، أي إشارة تدّل عليه.
قال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: "ربّ إنّي وهن العظمُ مني واشتعل الرأس شيبا"،[٤] المشبّه في الآية الكريمة الرأس، والمشبه به الوقود، وقد ذُكر المشبه، و حُذف المشبه به ورُمز إليه بشيء من لوازمه (الاشتعال)، على سبيل الاستعارة المكنية.


أمثلة تدريبية

مــثــال تدريـــبي (1)

وضّح الاستعارة في الأمثلة الآتية:


المـــــــثــــــال
توضــــــــــــيح الاســـتــــعــــــــــــارة
قال أعرابي في المدح: "فلان يرمي بطرفه حيث أشارَ الكرم".
المشبه: الكرم، والمشبه به: الإنسان، وقد حُذف المشبه به ورُمز إليه بشيء من لوازمه وهو (أَشَارَ)، على سبيل الاستعارة المكنية.
قال المتنبي يصف دخول رسول الروم على سيف الدولة:
أَقبَلَ يمشي في البساط فما دَرَى***إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي

شبه سيف الدولة بالبحر، فذكر المشبه به (البحر) وحذف المشبه (سيف الدولة) والجامع بينها العطاء، كمّا شبه سيف الدولة بالبدر، فذكر المشبه به (البدر) وحذف المشبه (سيف الدولة) والجامع بينهما الرّفعة، على سبيل الاستعارة التصريحية.
قال دُعبل الخزاعي:
لا تعجبي يا سلمُ من رجلٍ*** ضحكَ المشيبُ برأسه فبكى


المشبه هنا هو المشيب وقد ذُكر في الجملة، والمشبه به هو الإنسان وقد حُذف من الجملة، ونوع الاستعارة مكنية، وقد كُنّي عن المشبه به بشيء من لوازمه وهو الضحك، فالشيب لا يضحك.
ذمّ أعرابي قومًا فقال: "أولئك قومٌ يصومون عن المعروف، ويُفطرون على الفحشاء".
المُشبه: الامتناع عن عمل المعروف، والمشبه به: الصوم.
المُشبه: اقتراف الآثام وفعل الفحشاء، والمشبه به: الإفطار.
وقد ذُكر المشبه به (الصوم والإفطار) على الترتيب، وحُذف المشبّه على سبيل الاستعارة التصريحية.
ذمّ رجل آخر فقال: "إنّه سمين المال، مهزول المعروف".
المشبه به: الإبل وهو محذوف، المشبه: المال وهو مذكور، وقد ذُكر المشبه وحُذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية، واللازمة هي (سمين) فلا تكون السمنة والنحول للمال وإنما هي صفة تعارف عليها العرب قديماً في الإبل.


مثال تدريبي (2)

وظّف الكلمات الآتية في جمل بحيث تأتي مرةً استعارة تصريحية، ومرة استعارة مكنية:[٥]


الكـــلمة
الاستعــــارة التصـــريحيـــة
الاستـــعــــارة المكــــنيـــة
الشمس
حَضرَت الشمس في البَهو.
بَزَغَت الفتاة.
البحر
حادثتُ بحرًا بهرَني حُسن بيانه.
ليس لجودكَ ساحل.
البرق
أَقبَل الجندي والبرق في عينيه.
وَمَضَ السيف في يده.


مثال تدريبي (3)

وضّح الاستعارة في قول الحجاج المشهور: "إنّي لأرى رؤوسًا قد أينَعت وحان قطافها، وإنّي لصاحبها": شبّه الحجّاج الرؤوس بالثمار، فذكر المشبّه (الرؤوس) وحذف المشبه به (الثمار)، وأبقى كلمتي (قطاف) و(أيْنَع) للدّلالة على المشبه به المحذوف وهو الثمار، فهاتان الصفتان واضحتان في الثمار، على سبيل الاستعارة المكنية.


إضاءة

في جملة الاستعارة المكنية يُمكنك أن تستدّل على المشبه به المحذوف من خلال اللازمة أي إشارة يتركها القائل أو الكاتب في الجملة، وتجدر الإشارة إلى أنّ وجه الشبه يكون أقوى في المشبه به منه في المشبه، لذلك عندما تريد أن تقرّر أي طرفي التشبيه قد حذف انتبه إلى هذه النقطة.


المراجع

  1. عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 139. بتصرّف.
  2. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 206. بتصرّف.
  3. سورة إبراهيم ، آية:1
  4. سورة مريم، آية:4
  5. علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، صفحة 75-80. بتصرّف.