يُعد علم البلاغة فرعًا مهمًا من فروع اللغة العربية، ويُقسم إلى ثلاثة علوم، وهي: علم البيان، علم البديع، وعلم المعاني، وكل علم من هذه العلوم يختصّ بدراسة أمور محددة، فعلم البيان يشمل كلاً من: التشبيه، الاستعارة، الكناية، والمجاز المُرسل، وفي هذا المقال سنتحدّث عن التشبيه والاستعارة ونوضّح الفرق بينهما.


تعريف التشبيه وأركانه

هو عقد مقارنة بين شيئين يشتركان في صفة واحدة، ومن هذا التعريف نستنتج أنَّ للتشبيه مجموعة من الأركان، وهي:[١][٢]

  • المُشبه: وهو الشيء الذي يُراد إلحاقه بغيره، مثل: (محمد كالأسد في الشجاعة).
  • المُشبه به: وهو الشيء الذي يُلحق به المشبه، مثل: (محمد كالأسد في الشجاعة).
  • أداة التشبيه: وهي اللفظ الذي يدل على التشبيه، ويربط المشبه بالمشبه به، وقد تكون هذه الأداة حرفًا مثل: (كـَ، كأنَّ)، أو اسمًا مثل: (مثل، شبه، نظير)، أو فعلًا مثل: (يُشبه، يُماثل، يُحاكي)، وقد تذكر الأداة في التشبيه أو تُحذف.
  • وجه الشبه: وهي الصفة المشتركة بين المشبه والمشبه به، وتكون في المشبه به أقوى منها في المشبه، وقد يُذكر وجه الشبه في التشبيه أو يُحذف.

ففي جملة (العلماء مثل المصابيح في هداية الناسِ)، العلماء هي المشبه، والمصابيح هي المشبه به، ومثل هي الأداة، وهداية الناس هي وجه الشبه.




ومن الجدير بالذكر أنَّ التشبيه لا بدَّ فيه من ذكر الطرفين الأساسيين وهما المشبه والمشبه به، فإذا حُذف أحدهما، لا يُعد تشبيهًا بل يصبح استعارة.




أقسام المشبه والمشبه به باعتبار طرفيه

قد يكون طرفا التشبيه إمَّا:[٣]

  • حسيان: ويُقصد بالحسي هو أن يكون مُدرَكًا هو أو مادته التي يتركب منها بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، وهي: البصر، السمع، اللمس، الشم، الذوق، ومن الأمثلة على ذلك: (أنفاسُ الطفلِ كعطرِ الزهرِ)، (شعرها كالليل في سواده).


ويُلحَق بالتشبيه الحسيّ التشبيه الخياليّ، والتشبيه الخيالي هو المُركب من أمور كل واحدٍ منها موجود يُدرك بالحس، لكن هيئته التركيبية

ليس لها وجود حقيقي في عالم الواقع، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل

أسفارًا).[٤]


  • عقليان: ويُقصد بالعقلي هو ألا يكون هو أو مادته التي يتركب منها مُدركًا بالحواس، فيكون من المعاني التي يُدركها المرء بعقله، مثل: (الحياء، والعلم، والذكاء، والمروءة)، أو يدركها بوجدانه، مثل: (الجوع، العطش، الفرح، الطمأنينة، الحزن)، ومن الأمثلة على ذلك: (العلمُ كالحياةِ، والجهلُ كالموتِ).


  • مختلفان: وذلك بأنْ يكونَ أحد طرفي التشبيه عقليًا والآخر حسيًا، ومن الأمثلة على ذلك: (العطرُ كالخلقِ الكريمِ)، فالمشبه وهو العطر محسوس بالشم، والمشبه به وهو الخلق عقليّ.


أقسام التشبيه باعتبار الأداة

يُقسم التشبيه إلى عدة أقسام بناء على اعتبارات مختلفة، فيُقسم باعتبار أداته إلى ثلاثة أقسام، وهي:[٥]

  • التشبيه المُرسل: وهو ما ذُكر فيه الأداة، كقول المتنبي في هجاء إبراهيم بن إسحاق:

(وإذا أشارَ مُحدثُا فكأنَّه * * * قرد يقهقه أو عجوز أو عجوز تلطم).

  • التشبيه المؤكد: وهو ما حُذف منه أداته، كقوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب[٦] أي أنَّ الجبال تُرى يوم ينفخ في الصور تمر كمر السحاب، أي تسير في الهواء كسير السحاب الذي تسوقه الرياح.
  • التشبيه البليغ: وهو ما حُذف منه وجه الشبه والأداة، كقولنا: (العلمُ نورٌ).


الاستعارة

لكي تستنتج معنى الاستعارة انظر إلى المثال التالي: (زأرَ الجندي في المعركةِ)، هل يزأر الجندي فعلًا في المعركة؟ بالتأكيد ستقول لا، لأنَّ الزئير صفة من صفات الأسد، وهو صوت يخرجه الأسد وليس الجندي، وبذلك نكون قد أعطينا الجندي صفة ليست موجودة فيه، أي أعرناه هذه الصفة، وهذا مو ما نسميه بـ "الاستعارة"، وعليه فتُعرف الاستعارة كالتالي:[٧]

الاستعارة هي تشبيه بليغ، حُذف منه المشبه أو المشبه به، وقد ذكرنا سابقًا أن التشبيه البليغ يتكون من (مشبه + مشبه به) فقط.

وعليه فإنّ الفرق بين الاستعارة والتشبيه البليغ هو أنَّ الاستعارة يُحذف منها المشبه أو المشبه به، ولمزيد من التوضيح، انظر إلى الجمل التالية:

  • (الجندي أسدٌ يزأر في المعركة): في هذه الجملة يوجد تشبيه بليغ، لوجود الركنين المشبه (الجندي) والمشبه به (الأسد).
  • (زأر الجندي في المعركة): في هذه الجملة يوجد استعارة، لأنَّه شبه الجندي بأسد يزأر، وذكر فقط المشبه (الجندي) وحذف المشبه به (الأسد).


أنواع الاستعارة

تٌقسم الاستعارة من حيث ذكر أحد أطرافها إلى:[٨]

  • الاستعارة المكنيّة: وهي التي يُذكر فيها المشبه، ويُحذف المشبه به، أي يحذف فيها المستعار منه ويرمز له بشيء من لوازمه، أو صفة من صفاته، مثل: (افترسَ الجندي أعداءه)، ففي هذه الجملة شبه الجندي بوحش مفترس، فالجندي مشبه، والوحش المفترس مشبه به، لكنَّه ذكر فقط المشبه وحذف المشبه به ودلَّ عليه صفة من صفاته وهي الافتراس، وكذلك في قوله تعالى: (واشتعلَ الرأسُ شيبًا[٩] حيث شبه شيب الرأس بالوقود، وذكر المشبه وهو شيب الرأس، وحذف المشبه به الوقود، ومثال آخر يوضح المقصود بالرمز للمستعار منه بشيء من لوازمه هو بيت الشعر الآتي:

(إذا المنية أنشبت أظفارها * * * ألفيت كل تميمة لا تنفع) حيث شبه المنية بالسبع، واستعار السبع للمنية وحذفه، ورمز إليه بشيء من

لوازمه وهي الأظفار.


  • الاستعارة التصريحية: وهي التي يُذكر فيها المشبه به، ويُحذف المشبه، أي هي ما صُرحَ فيها بلفظ المشبه به، مثل: (رأيْتُ أسدًا يدافع عن وطنه)، ففي هذه الجملة شبه الجندي بالأسد، فالجندي مشبه، والأسد مشبه به، لكنَّه ذكر المشبه به فقط، وكذلك في قول أحدهم في مدح فتاة: (كشفت الشمس عن وجهها، فبهرت الناس بجمالها)، حيث شبه الفتاة بالشمس، فالفتاة مشبه، والشمس مشبه به، لكنَّه ذكر المشبه به فقط.


ولاختصار ما سبق انظر الجدول الآتي:


اللون البياني
المشبه
المشبه به
الاستعارة المكنية
مذكور
محذوف
الاستعارة التصريحية
محذوف
مذكور


المراجع

  1. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 219. بتصرّف.
  2. عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 77. بتصرّف.
  3. الدكتور عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 66 - 68 . بتصرّف.
  4. سورة الجمعة ، آية:5
  5. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 238. بتصرّف.
  6. سورة النمل ، آية:88
  7. عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 175. بتصرّف.
  8. جامعة المدينة العالمية، البيان والبديع، صفحة 153 . بتصرّف.
  9. سورة مريم، آية:4