بالنظر للفعل "أكرمَنِي" تجده يتكون من (الفعل الماضي أكرمَ + نِ + ياء المُتكلم) وياء المتكلم يجب أن يسبقها كسر لمناسبة حركتها، وبما أنّ الأفعال لا تقبل الكسر كالأسماء، فلا بدَّ -أن نقيها- من هذا الكسر ونحافظ على حركتها كما هي، لذلك تم الفصل بين الفعل وياء المتكلم بنون تحمل حركة الكسرة التي تناسب ياء المتكلم، وهذه النون تسمّى نون الوقاية أو نون العماد، وفي هذا المقال سنوضح المقصود بنون الوقاية وأحكامها.


تعريف نون الوقاية

هي نون مكسورة تُضاف قبل ياء المتكلم عند اتّصالها مع فعل أو اسم فعل أو حرف، لا محل لها من الإعراب، وسُمِّيت بذلك لأنَّها تتحمل الكسرة المناسبة لحرف الياء، فتقي الفعل من كسر آخره الذي ينشأ عن اتّصاله بياء المتكلم وتحافظ على حركته، وتمنع من التقاء الساكنين، مثل (ساعدونــي) فلا يجوز القول (ساعدوي) لأنَّ واو الجماعة ساكنة وياء المخاطبة ساكنة أيضًا، فمنعت نون الوقاية من التقاء الساكنين،[١] ولنون الوقاية المزيد من الوظائف اللغوية، أبرزها:[٢]

  • إزالة اللبس بين أمر المخاطب وأمر المخاطبة: فياء المتكلم تخصّ المذكر، على نحو (أكرمْنِي)، وياء المخاطبة تخص المؤنث، على نحو (أكرِمِي)، ولو حُذفت نون الوقاية من ياء المتكلم لأصبح الفعلان بنفس الصيغة ولحصل التباس بين ياء المتكلم وياء المخاطبة، فجاءت نون الوقاية لتزيلَ هذا اللبس.
  • إزالة الللبس بين ياء المخاطبة والفعل الماضي المتصل بياء المتكلم: مثل: (تداركِي: أمر للمخاطبة، وتداركَنِي: فعل ماضٍ متّصل بياء المتكلم) ولو حُذفت النون من الفعل الماضي لأصبحا بنفس الصيغة، وبالتالي لن نستطيع تحديد نوع الياء.
  • إزالة اللبس بين اسم الفعل وغيره من الأسماء: مثل: (سماعني: اسم فعل أمر بمعنى "أسمعني" وسماعي: مصدر للفعل "سمع" مُضاف إلى ياء المتكلم).
  • إزالة اللبس بين حرف الجر والفعل: مثل: (خلاي: حرف جر، وخلاني: فعل).
  • تفيد زيادة التوكيد: في إنّّ وأخواتها، فعندما تقول: (إنّني مسافرٌ غدًا) فيها تأكيد أكثر من قولك (إنَّي مسافرٌ غدًا).


أحكام نون الوقاية

إنَّ إضافة نون الوقاية أو عدم إضافتها مرتبط بحالات ياء المتكلم المنصوبة أو المجرورة محلًا، وبنوع العامل فيها النصب أو الجر، وفيما يأتي توضيح لأحكام وجودها من عدمه:[٣]


حكم وجود نون الوقاية مع الفعل

إذا اتَّصلت ياء المتكلم المنصوبة بالفعل يجب أن تسبقها نون الوقاية، سواءً كان الفعل ماضيًا أو مضارعًا أو أمرًا، مُتصرفًا أو جامدًا، مثل:

  • سألنِي المعلمُ عدةَ أسئلةٍ.
  • تسرنِّي معرفتُكَ.
  • سامحنِي أرجوك.
  • ذهب الطلاب ما عدانِي.
  • ما أفقرنِي إلى عفو الله.
  • عسانِي أنجح.


حكم وجود نون الوقاية مع اسم الفعل

اسم الفعل هو اسم ينوب عن فعله، معنى (ماضيًا أو مضارعًا أو أمرًا) واستعمالًا (لازمًا أو متعديًا)، ولا يقبل علاماته ولا يتأثر بالعوامل الداخلة عليه،[٤] أمَّا حكم اقتران نون الوقاية به عند اتّصاله بياء المتكلم المنصوبة فهو واجب، مثل: (دراكنِي بمعنى أدركني)، (تراكني بمعنى اتركني).


حكم وجود نون الوقاية مع الحروف

  • إذا كانت ياء المتكلم منصوبة بالحرف الناسخ "ليت" يجب إضافة نون الوقاية، مثل: (ليتنِي أُسافر لكل أنحاء العالم).
  • إذا كانت ياء المتكلم منصوبة بالحرف الناسخ "لعلَّ" يجوز إضافة نون الوقاية أو الاستغناء عنها والأكثر حذفها، فنقول: (لعلِّي أُدرك آمالي) أو (لعلَّنِي أُدرك آمالي).
  • إذا كانت ياء المتكلم منصوبة بحرف ناسخ آخر غير ليت ولعلَّ، يجوز الأمران على السواء، إضافة النون أو حذفها، وكما ذكرنا سابقًا فإنَّ إضافتها مع "إنَّ وأخواتها" يفيد التوكيد، فيجوز القول" (لكنني لا أُحبُ المنافقين) أو (لكنِي لا أُحبُ المنافقين).
  • إذا كانت ياء المتكلم مجرورة بحرف الجر "مِنْ" أو "عَنْ" يجب إضافة نون الوقاية قبلها، وحذفها شاذ أو لضرورة، على نحو: (طلبَ منِّي الصفحَ)، (عنِّي يصدرُ الخيرُ والإكرامُ)، ولا يجوز إضافة نون مع أي حرف جر غيرهما، فنقول: (لِي فيك أمل)، (بي ميل إلى مصاحبة الأشخاص الإيجابين).


حكم وجود نون الوقاية مع الأسماء

  • إذا كانت الياء مجرورة بالإضافة، والمُضاف هو اسمٌ ساكنُ الآخر، يجوز إضافة النون أو حذفها، والأصح إضافتها، وهذه الكلمات الساكنة الآخر هي: (لدن: بمعنى "عند") و(قدْ و قطْ: بمعنى حَسْب، أي كافٍ)، كما في قوله تعالى: (قَدْ بلغْتَ مِنْ لدُنِّي عُذْرًا)،[٥] ومثل: (قَدْني من مواصلة العمل المرهق)، (قَطْني من إهمال دراستي)، ويجوز حذف النون بقول: (قدِي، قطِي)، وكما قلنا فهو حذف غير مستحسن بالرغم من جوازه.
  • إذا كانت الياء مجرورة بالإضافة إلى غير تلك الثلاث كلمات، يجب حذف النون، مثل: (هذه حقيبتِي، أعرْتُهُ كتابِي، وضعْتُ المشترياتِ في خزانتِي)، فالاسم يتحمل حركة الكسر المناسبة للياء بخلاف الفعل.


المراجع

  1. الدكتور محمد علي سلطاني، تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك الجزء الأول، صفحة 102. بتصرّف.
  2. فاضل صالح السامرائي، معاني النحو الجزء الأول، صفحة 68-69 . بتصرّف.
  3. عباس حسن، النحو الوافي، صفحة 280 - 282. بتصرّف.
  4. محمد عيد، النحو المصفى، صفحة 640. بتصرّف.
  5. سورة الكهف، آية:76