مفهوم المحسنات البديعية
تنتمي المحسنات البديعية إلى باب علم البديع في البلاغة، وهو العلمُ الذي يُعنى بوجوهِ تحسين الكلام وتزيينه، أي يجعله أكثرَ حُسنًا عند المتلقي، وتتفرّع المحسّنات البديعية إلى: محسّنات لفظيّة ومحسنات معنويّة. [١]
المحسنات المعنوية
هي المحسّنات التي يكون فيها تجميل الكلام وتزيينه راجعًا إلى المعنى، ومن أقسامها: الطباق والتورية والمقابلة.[٢]
التورية
هي أن يذكر المتكلم لفظًا له معنيان، أحدهما قريب ظاهر غير مراد، والآخر بعيد، وهو المعنى المراد والمعنى البعيد استتر بالمعنى الظاهر، ومثال ذلك قول الشاعر:[٣]
المعنى القريب هنا (غير المقصود) هو أخو الخنساء واسمه صخر والدليل على المعنى القريب كلمة (الخنساء)، والمعنى البعيد المقصود (صخر الوادي).
الطباق
هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام، وهما قد يكونان اسمين أو فعلين أو حرفين، والطباق ضربان:[٥]
طباق الإيجاب
هو الجمع بين متضادين لم يختلفا سلبا أو إيجابًا، ومثال ذلك:[٥] قوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) [٦] في الآية طباق بين كلمتي (أيقاظ، رقود).
طباق السلب
هو الجمع بين فعلَيْن من مصدر واحد، أحدهما مثبت والآخر منفيّ أو أحدهما أمر والآخر نفي، ومثال ذلك:[٥]قوله تعالى: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ).[٧]في الآية طباق بين فعلين من مصدر واحد أحدهما منفي (لا تخشوا) والآخر في صيغة الأمر (واخشونِ).
المقابلة
هي أن يؤتى بمعنيين أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، ومثال ذلك: قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)،[٨]في الآية عبارتان تحمل أكثر من معنيين ثم جاء ما يقابلهما على الترتيب،أي أن لفظة (يحل ضد يحرم)، وأحرف الجر (لهم ضد عليهم)، (الطيبات ضد الخبائث).[٥]
المحسنات اللفظية
هي المحسنات التي يكون التحسين فيها راجعًا إلى اللفظ، ومن أقسامها: الجناس والسّجع ورد العجز على الصدر.[١]
الجناس
هو اتفاق اللفطتين في النطق مع الاختلاف في المعنى، وينقسم إلى نوعين. [٩]
الجناس التام
ما اتفق فيه اللفظين في أربعة أمور: الحروف ونوعها وعددها وحركاتها، مثل قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَة كذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)،[١٠] حيث اتفقت الكلمتان (ساعة، ساعة) بالحروف ونوعها وعددها وترتيبها واختلفت بالمعنى، فالساعة الأولى بمعنى يوم القيامة والثانية بمعنى الوحدة الزمنية.[٩]
الجناس الناقص (غير التام)
ما اختلف فيه اللفطتان في واحد من الأمور السابقة، وهي الحروف وعددها وترتيبها وحركاتها،[٩] مثل قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ،وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ)،[١١] حيث اخنلفت الكلمتين (أخيه، أبيه في الأحرف واختلفت في المعنى).[٩]
السجع
هو اتفاق العبارتين في الحرف الأخير، نحو: "إن بعد الكدر صفوًا، وبعد المطر صحوًا"، حيث اتّففت العبارتان في الحرف الأخير (الواو).[١٢]
رد العجز على الصدر (التصدير)
يكون رد العجز على الصدر في النثر كالآتي: "أن يجمع في النثر أحد اللفظين المتشابهين أو المتماثلين أحدهما في أول العبارة والثاني في آخرها"، ومثال ذلك:[١٢]
- قال تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)،[١٣] تشابهت العبارتان في لفظتين (تخشى، تخشاه).
- قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)،[١٤] تشابهت العبارتان في لفظتين أحدهما في أول العبارة (استعفروا) وفي آخر العبارة (غفارا).
ويكون في الشعر كالآتي: أن يجمع في الشعر لفظين متشابهين أو متماثلين أحدهما آخر البيت والآخر في أي موضع قبله، مثل:
- [١٥]سَريعٌ إِلى اِبنِ العَمِّ يَلطِمُ وَجهَهُ وَلَيسَ إِلى دَاعي النَدى بِسَريعِ
ورد في البيت الشعري لفظتان متماثلتان، إحداهما في آخر البيت (سريع) والأخرى في أوّله (سريع).
المراجع
- ^ أ ب احمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 298.
- ↑ احمد الهاشمي، البلاغة في المعاني والبيان والبديع جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 298. بتصرّف.
- ↑ احمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 300. بتصرّف.
- ↑ " أخلاي بالفيحاء إن طال بعدكم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/8/2023.
- ^ أ ب ت ث احمد الهاشمي، البلاغة في المعاني والبيان والبديع جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 303. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية:18
- ↑ سورة المائدة ، آية:44
- ↑ سورة الأعراف، آية:157
- ^ أ ب ت ث احمد الهاشمي، جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 325. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:55
- ↑ سورة عبس، آية:34
- ^ أ ب احمد الهاشمي، البلاغة في المعاني والبيان والبديع جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 330. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:37
- ↑ سورة نوح، آية:10
- ↑ "سريع إلى ابن العم يلطم وجهه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 30/8/2023.