يعد موضوع الوصل والفصل من الأبواب التي تهتم في علم المعاني دراسة بلاغية، ويبحث هذا الباب بمواقع الجمل، وما يجب أن يُتضمَّن فيها من أدوات العطف والاستئناف، وجدير بالذكر أنّ تضمين حروف العطف في أماكنها بالجمل، أو عدم تضمينها مسألة ليست بالسهلة، وتتطلب وجود المعرفة بعلم البلاغة، والمعرفة في فن وذوق الكلام، ويُعدّ موضوع الوصل والفصل من المواضيع التي نالت أهميةً كبيرةً لدى البلغاء، حيث جعلوه حدًّا للبلاغة، بل وكثير منهم عرّفوا البلاغة على أنّها معرفة الفصل والوصل.[١]


تعريف الوصل والفصل

يُعرّف الوصل على أنّه وصل جملتين، أي عطف جملة على أخرى بحرف الواو، بحيث يكون بينهما جهة جامعة، ولا يوجد مانع للوصل، على سبيل المثال، قول الله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ*وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)،[٢] وقوله تعالى: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا).[٣][٤]


أمّا الفصل فيُعرّف على أنّه فصل جملتين، ويكون ذلك بترك حرف العطف، ومثال عليه، قوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"،[٥] ففي هذه الاية فصلت جملة "ادْفَعْ" عن الجملة التي قبلها، بينما لو قيل: "وادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" لما كان الكلام بليغًا،[١] ويتم تضمين الوصل بين الجمل إمّا لوجود صلة بينهما في المعنى والصورة، أو لدفع اللبس، بينما يتم تضمين الفصل بين الجمل إمّا لكونهما متحدتان في المعنى والصورة، وإمّا لأنه لا صلة بينهما في المعنى والصورة،[٤] وفي الآتي توضيح لمواضع الوصل والفصل:


مواضع الوصل

يقع الوصل في ثلاثة مواضع يمكن تفصيلها على النحو التالي:[٦][٧]

  • الأول: في حالة اتّحدت الجملتان الخبرية أو الإنشائية لفظًا ومعنًى، أو معنًى فقط، فقوله تعالى: "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ"[٨]، يعدُّ مثالاً على الجملتين الخبريتين، فلوجود مناسبة تامة بينهما وعدم وجود سبب يقتضي الفصل تم وصلهما بحرف الواو.
  • الثاني: في حالة أن ترك حرف العطف قد يوهم السامع بخلاف المقصود، وذلك إذا اختلفت الجملتان، بمعنى التقت جملة خبرية بأخرى إنشائية، ومثال على هذه الحالة؛ إذا تعرّضت للسؤال التالي: (هل شفي محمد من مرضه؟)، وكانت إجابتك بالنفي: "لا شفاه الله"، فهنا يعدّ ترك حرف العطف (الواو) سبباً لإيهام السامع أن جوابك دعاء عليه، وهو خلاف ما تقصده وهو الدعاء له، ولدفع الايهام، تم وصلها بحرف الواو، أي (لا، وشفاه الله)
  • الثالث: في حالة كان القصد إشراكهما في الحكم الإعرابي، مثال ذلك قولك (محمد يكتب ويقرأ)، فالحكم الإعرابي لجملة (يكتب) جاء في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك جملة (ويقرأ)، معطوفة على جملة (يكتب)، وتشاركها إعرابياً بكونها في محل رفع خبر ثانٍ للمبتدأ.


أمثلة توضيحية لمواضع الوصل


مثال
سبب الوصل
أخُطُ مع الدهرِ إذا ما خطا واجرِ مع الدهرِ كما يجري
لاتفاقهما إنشاءً، مع وجود المناسبة وعدم المانع
قوله تعالى: "فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا".[٩]
لاتفاقهما إنشاءً، مع وجود الجامع بين الجمل، وعدم وجود سبب يقتضي الفصل بينهما
وَحُبُّ العَيشِ أَعبَدَ كُلَّ حُرٍّ وَعَلَّمَ ساغِباً أَكلَ المُرارِ
لإشراكهما في الحكم الإعرابي
"إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"[١٠]
لإشراكهما في الحكم الإعرابي
هل قدم زيد؟ يقول: لا، ورحمك الله.
لدفع الإيهام


مواضع الفصل

من المعروف أنّ ترادف الجُمَل ومجيئها خلف بعض يوجب ربطها بحرف العطف (الواو)؛ لتبقى على نسق واحد، لكن في بعض الحالات قد نحتاج إلى الفصل بينها بالاستغناء عن حرف العطف، ويكون ذلك في خمسة مواضع يمكن تفصيلها على النحو التالي:[٧][١١]

  • الأول: في حالة اتحاد الجملتين اتحادًا تامًّا، واندماجهما معنويًّا، بحيث تنزل الجملة الثانية من الجملة الأولى منزلة نفسها، وهذا ما يسمى (كمال الاتصال) ويُبيّن الجدول الحالات المتعلّقة بهذا الموضع:


الحالة
مثال
أن تأتي الجملة الثانية بمنزلة البدل من الجملة الأولى
قول الله تعالى: "وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ".[١٢]
أن تأتي الجملة الثانية مفسّرةً لغموض وإبهام ورد في الجملة الأولى
قول الله تعالى: "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ"،[١٣] فالجملة "قال يا آدم" جاءت تفسيراً لما وسوس به الشيطان إليه.
أن تأتي الجملة الثانية تأكيداً للجملة الأولى، سواء أكان توكيدًا لفظيًّا أومعنويًّا
قوله تعالى:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا"،[١٤] فالمانع من العطف هنا لكون الجملتين متحدات اتحادًا تامًّا، وعليه وجب الفصل بين الجمل.


  • الثاني: في حالة اختلاف الجملتين اختلافًا تامًّا، وهذا ما يسمى ( كمال الانقطاع)، ويُبيّن الجدول الحالات المتعلّقة بهذا الموضع:


الحالة
مثال
أن تختلف الجملتين الخبرية أو الإنشائية، لفظًا ومعنًى، أو معنًى فقط
(حضر الأمير حفظه الله)، و(تكلمْ إني مُصْغٍ إليك).
حيث جاء المنع من العطف في هذه الأمثلة لكون إحداهما جملة خبرية، والأخرى إنشائية ولا جامع بينهما؛ في الجملة الأولى (حضر الأمير) جملة خبرية، و(حفظه الله) إنشائية، وفي الجملة الثانية (تكلم) جملة إنشائية، و(إني مصغٍ إليك) خبرية.
عدم وجود ارتباط أو مناسبة في المعنى بين الجملتين، بحيث تكون كل جملة مستقلة بنفسها.
(محمد كاتب – الحمام طائر)؛ إذ لا يوجد ارتباط بين كتابة محمد وطيران الحمام، وجاء المنع من العطف هنا لوجود التباين وكمال الانقطاع بين الجملتين، وعليه وجب الفصل بين الجمل.


  • الثالث: في حالة كون الجملة الثانية قوية الارتباط بالجملة الأولى؛ لمجيئها جوابًا عن سؤال يُفهم من الجملة الأولى، ولذلك تُفصَل الجملة الثانية عن الأولى كما يُفصل الجواب عن السؤال، وهذا ما يسمى ( شبه كمال الاتصال)، مثال ذلك قول الشاعر:


زَعَمَ العَوازِلُ أنَّنِي في غَمْرَةٍ صَدَقُوا ولكِنْ غَمْرَتي لا تَنْجَلِي



كأن الشاعر سئل: أصدقوا في زعمهم أم كذبوا؟ فأجاب: صدقوا، وجاء المنع من العطف هنا لقوة الارتباط بين الجملتين، فأشبهت حالة اتحاد الجملتين، وعليه وجب الفصل بين شطري البيت.


  • الرابع: في حالة أن تُسبق جملة بجملتين يصح عطفها على الجملة الأولى لوجود المناسبة بينهما، بينما إذا عُطفت على الجملة الثانية يحدث فساد في المعنى، فيُترك العطف بالمرة؛ حتى لا يتوهم السامع أنه معطوف على الجملة الثانية، وهذا ما يسمى (شبه كمال الانقطاع)، مثال على ذلك قول الشاعر:
    
    وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم
    


فهنا تم الفصل بين جملة "أراها" عن الجملة الأولى "تظن"، وقد منع هذا توهم العطف على الجملة الثانية "أبغي بها" لقربها منها فتكون بذلك من مظنونات سلمى، فيصبح المعنى: (وتطن سلمى أنني أبغي بها، وتظن أيضاً أنني أظنها تهيم في الضلال)، وليس هذا مراد الشاعر، لذلك وجب الفصل.


  • الخامس: في حالة وجود رابطة قوية بين الجملتين أو لكونهما متناسبتين، ولكن لوجود المانع وهو عدم التشريك في الحكم يمنع العطف بينهما، مثال ذلك قول الله تعالى: "وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ"،[١٥] فجملة "يستهزئ بهم" لا يصح عطفها على "إنَّا معكم"، حيث ستفهم أنها من مقول المنافقين، وفي الحقيقة هي من كلام الله تعالى، كما لا يصح عطفها على جملة "قالوا"؛ حتى لا يتوهم السامع مشاركته له في التقييد بالظرف، وأنَّ استهزاء الله بهم مقيد بحال خلوهم إلى شياطينهم فقط، ففي الحقيقة أن استهزاء الله بالمنافقين لا يتقيد بأي حال من الأحوال؛ (والاستهزاء هنا بمعنى التوبيخ واللوم)، وعليه وجب الفصل.


أمثلة توضيحية لمواضع الفصل


مثــــال
سبب الفصل
لا تدعه إن كنت تنصف نائبًا هو في الحقيقة نائم لا نائب
لاختلافهما خبرًا وإنشاءً؛ إذ الثاني خبر، والأول إنشاء، فبينهما كمال الانقطاع.
"يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ"[١٦]
بين "يدبر" و"يفصل" كمال الاتصال؛ لأن الثانية بدل بعض من كل.
فما الحداثة عن حلم بمانعة قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
بين الشطر الثاني والأول شبه كمال الاتصال؛ إذ إن الثاني جواب سؤال مقدر.


التدريبات

التدريب (1): بيِّن/ي سبب الفصل والوصل فيما يلي:


المثال
النوع
السبب
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا
وصل
وصل بين الجملتين لتوسطها بين الكمالين لاتحادهما في الإنشاء مع وجود المناسبة وعدم المانع مع العطف.
وَنَفسي لَهُ نَفسي الفِداءُ لِنَفسِهِ وَلَكِنَّ بَعضَ المالِكينَ عَنيفُ
فصل
بين (نَفسي لَهُ) و(نَفسي الفِداءُ) كمال اتصال، لأن الثانية توكيد لفظي للأولى.
يهوى الثناء مبرز ومقصر حب الثناء طبيعة الإنسان


لا تدعه إن كنت تنصف نائبا هو في الحقيقة نائم لا نائب


"وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً "[١٧]


"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا"[١٨]



المراجع

  1. ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة: في المعاني والبيان والبديع، صفحة 197. بتصرّف.
  2. سورة الانفطار، آية:13-14
  3. سورة التوبة، آية:82
  4. ^ أ ب
  5. سورة سورة فصلت ، آية:34
  6. احمد المراغي، علوم البلاغه البيان والمعاني والبديع، صفحة 164. بتصرّف.
  7. ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 182-186. بتصرّف.
  8. سورة سورة الانفطار، آية:14
  9. سورة سورة التوبة، آية:82
  10. سورة سورة يوسف، آية:4
  11. مريم الصبان، الفصل والوصل، صفحة 5-13. بتصرّف.
  12. سورة سورة الشعراء، آية:132
  13. سورة سورة طه، آية:120
  14. سورة سورة البقرة، آية:8
  15. سورة سورة البقرة، آية:14
  16. سورة سورة الرعد، آية:2
  17. سورة سورة النمل، آية:88
  18. سورة سورة لقمان، آية:7