مفهوم الأساليب الإنشائية

تَنتمي الأساليبُ الإنشائيّة إلى باب علم المعاني في البلاغة، وهو العِلم الذي تُعرف به أحوالُ الإسناد المطابِقة لمقتضى الحال، أيْ ما يقوله المتكلّم بصورة تناسب أحوال المخاطبين، وتنقسم الجمل في اللغة العربية بحسب أغراضها إلى جمل خبريّة وجمل إنشائيّة، أمّا الإنشاء لغةً فيعني الإيجاد، واصطلاحًا: ما لا يَحتملُ الصّدق والكذب لذاته، نحو قولِنا: "يا عليّ"، ففي هذا المثال لا يُنسَب لقائلِه الصّدق أو عدمه، وهو كذلك ما لا يحصل مضمونه ولا يتحقّق إلّا إذا تلفظت به؛ فطلب الكفّ في (لا تفعل) وطلب الإقبال في (النداء)، كلُّ ذلك حصلَ ما حصلَ إلا بالصّيغ نفسها المتلفّظ بها.[١]


أنواع الأساليب الإنشائية

تنقسم الأساليب الإنشائيّة إلى نوعَين، ذكرُهما فيما يأتي.


الإنشاء الطلبي

أن يَطلبَ المتكلّم حصول أفعال معيّنة غير حاصلة عند المخاطب وقت الطلب، مثل: طلب إقبال المصلين على الصّلاة وهم مشغولون، ويكون بخمسة: الأمر، النهي، الاستفهام، التمنّي، النداء. [٢]


الأمر

هو طلب المتكلم من المخاطب القيام بفعل ما بصورة إلزاميّة، وله أربعُ صيغ: [٣]

  • فعل الأمر، مثل قولِه تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ).[٤]
  • المضارع المجزوم بلام الأمر، مثل قولِه تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ).[٥]
  • اسم فعل الأمر، مثل: صَهْ، آمين.
  • المصدر النائب عن فعل الأمر، مثل: سَعيًا إلى سبيل الخير.


وقد تخرج هذه الصيغ عن معناها الأصليّ إلى معانٍ بلاغية لا يطلب فيها حصول فعل ما بصورة إلزامية، كالدعاء؛ فنحن لا نأمر الله تعالى برزقنا بل ندعوه، ومن هذه المعاني البلاغية: التمنّي والنّصح والإرشاد، ومثال ذلك:[٦]

  • قال تعالى: (كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ).[٧]
  • رَبِّ هبْ لي من لدنكَ رحمةً.


النهي

هو طلبُ عدم القيام بفعل ما بصورة إلزاميّة، ويهدف إلى إقناع المخاطب بتجنب الفعل المنهي عنه، وله صيغةٌ واحدة هي الفعل المضارع المقرون بلا الناهية، وقد تخرجُ هذه الصيغة عن معناها الحقيقيّ إلى معنى بلاغيّ يفهم من السياق ولا يكون الغرض منه طلب عدم القيام بفعل ما، كالدّعاء والالتماس والتّهديد والتّحقير.[٨]

  • قال تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما)[٩]
  • قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[١٠]


الاستفهام

هو طلب المتكلم العلم بشيء هو جاهل به وغير عالمٍ له ويطلب به جوابًا ما، ويكون بأدوات عدّة كالهمزة، وهل، وما، ومتى، وأيّانََ، وأين وغيرها، وقد يخرجُ الاستفهام من غرضِ طلب العلم بشيء مبهم إلى أغراض أخرى تُفهم من السياق ولا يقصد بها طلب العلم بجواب محدد كالتّقرير، والنّفي والإنكار، ومثال ذلك:[١١]

  • قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)[١٢]
  • ألا هل بلّغتُ؟


التمني

هو طلبُ المتكلم تحقّق رغبة مستحيلة الحدوث لا يمكن نيلها؛ فالعودة إلى الشّباب أمر مستحيل الحدوث لكن هو أمر يتمناه الفرد، ويكون بأربع أدوات هي: ليت، هل، لو، عَسى.[١٣]

  • قال أبو العتاهية:


ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا فأخبرُه بما فعلَ المشيبُ

[١٤]
  • قال تعالى: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).[١٥]


النداء

هو طلب المتكلّم من المخاطب التيقظ والانتباه، وأدواته للمنادى البعيد هي: أيا، هيا، أي، وا، أيّ، والهمزة للمنادى القريب، وقد يخرج النداء من معنى طلب التيقظ إلى معان أخرى تُفهم من السَياق كالإغراء والاستغاثة والندبة، وأمثلة النداء ما يأتي:[١٦]

  • يا مظلوم.
  • يا محمد، اقبل.


الإنشاء غير الطلبي

ما لا يطلب حصول فعل ما، أي أنّ حصول الطلب غير مرتبط بالطلب نفسه، فقولنا: ما أجمل السماء! غير مرتبط بطلب أحد منا التعجب من السماء. [١٧]


التعجب

ينقسم إلى نوعين: الأوّل تعجب قياسي، ويكون بصيغة أفعل وأفعل بـِ، مثل:[١٨]

  • ما أجملَ السّماءََ!
  • أعظِمْ بِالصّدق!


والنوع الثاني: تعجب سماعيّ، مثل:[١٩]

  • لله درُّه عالمًا!
  • سبحانَ الله!


القسم

أسلوب من أساليب توكيد الكلام ويتشكل من خلال وجود أداة القسم والمقسم به والمقسم عليه، ويكون بالواو والتاء وبغيرهما.[٢٠]

  • لَعمرُكَ ما فعلتُ كذا.
  • واللهِ إنّ الساكتَ عن الحقّ لَشيطانٌ أخرس.


العقود

تكون باستخدام أفعال ماضية تحمل معنى البيع والشراء

  • اشتريتُ الحلوى.
  • بعتُ سيّارتي.


المدح والذم

أن يمدح المتكلم أو يذم فعل معين باستخدام أفعال جامدة، نحو بئس ونعم وما جرى مجراهما.[٢١]

  • بئسَ الكذبُ خلقًا.
  • نِعْمَ الصِّدقُ صفةً.


الرجاء

هو طلب حدوث شيء ممكن الحدوث، ويكون بثلاثة أدوات: عسى، حرى، اخلولق.[٢١]

  • قال تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى). [٢٢]
  • قال تعالى: (عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ).[٢٣]

المراجع

  1. أحمد الهاشمي ، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 69 . بتصرّف.
  2. احمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 70. بتصرّف.
  3. احمد الهاشمي، البلاغة في المعاني والبيان والبديع جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 71. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية:12
  5. سورة الطلاق، آية:7
  6. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 71. بتصرّف.
  7. سورة المرسلات، آية:46
  8. احمد الهاشمي، البلاغة في المعاني والبيان والبديع جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 76. بتصرّف.
  9. سورة الإسراء، آية:23
  10. سورة الاعراف، آية:56
  11. احمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 78. بتصرّف.
  12. سورة التين، آية:8
  13. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 87. بتصرّف.
  14. "فيا ليت الشباب يعود يوماً"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/8/2023.
  15. سورة الفجر، آية:24
  16. احمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 89. بتصرّف.
  17. احمد الهاشمي، البلاغة في المعاني والبيان والبديع جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 69. بتصرّف.
  18. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 69. بتصرّف.
  19. منصور الغول، النحو التطبيقي الوافي الميسر، صفحة 239. بتصرّف.
  20. سعد عبد المطلب العدل، الهيروغليفية تفسر القران الكريم اختاتون ابو الانبياء، صفحة 81. بتصرّف.
  21. ^ أ ب أحمد الهاشمي ، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 69. بتصرّف.
  22. سورة عبس، آية:3
  23. سورة القلم، آية:32