يُعرّف علم المعاني على أنّه أصول وقواعد يُعرف بها أحوال الكلام العربي التي يكون بها مطابقًا لمقتضى الحال بحيث يكون وفق الغرض الذي سيقَ له، فلا يُقال عن الشخص الذي ينحى منحى الإيجاز دائمًا إنه بليغ، ولا الشخص الذي ينحى منحى الإطناب دائمًا بأنه بليغ بالضرورة، ولكن البلاغة تقتضي إيجاز القول حال معرفة المُخاطب وإلمامه بتفاصيل معينة أو لذكائه وسرعة استيعابه، ولو أطلتَ وأطنبتَ في موضع يقتضي الإطناب لكان كلامك بليغًا، ولو أنّك عكستَ وأوجزت في موضع الإطناب، أو أطنبتَ في موضع الإيجاز، لانتَفت من كلامك صفة البلاغة، ومن فروع علم المعاني إلى جانب الإيجاز والإطناب المساواة، وهذا المقال سيركّز على تعريفها من خلال طرح الأمثلة والتدريبات العملية عليها.[١]
تعريف المساواة في البلاغة
يختار البليغ للتعبير عمّا في نفسه طريقة من ثلاث طرق، فهو تارة يوجز وتارة يُسهب، وتارة يأتي بالعبارة بين بين، بحسب حال المخاطب وما يدعو إليه موطن الخطاب، والمساواة هي الأصل المقيس عليه عند تقدير الإيجاز أو الإطناب، ويُقصد بالمساواة أن تكون المعاني بقدر الألفاظ، والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها على بعض، والجمل الآتية توضّح المساواة، فلو أردت زيادة لفظ لكانت الزيادة فضلة، ولو أردت إسقاط كلمة لكان ذلك إخلالًا، وستلاحظ أنّ الألفاظ في هذه الجمل مساوية للمعاني، ولذلك فإن الجمل الآتية جميعها تندرج تحت المساواة في البلاغة:[٢]
- قال تعالى: "وما تُقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله".[٣]
- قال تعالى: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله".[٤]
- قال طَرَفة بن العبد: ستُبدي لك الأيام ما كنتَ جاهلًا *** ويأتيك بالأخبار من لم تُــــــزوّد
- قال النابغة الذبياني: فإنّك كالليل الذي هو مدركي *** وإن خلتُ أنّ المُنتأى عنك واسع
ولزيادة التوضيح في المساواة سنعرض أمثلة على الإيجاز والإطناب والمساواة حتى يترسخ المعنى في ذهنك، وعليه انظر إلى الأمثلة الآتية:[١]
- درستُ النحو = فيه مساواة؛ لأن اللفظ على قدر المعنى.
- يقول تعالى: (ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)،[٥] = فيه إطناب؛ لأن (على حبه) أتت لتحسين في المعنى.
- المرء بأدبه = فيه إيجاز؛ فالعبارة القصيرة لكنها كثيرة المعاني.
- قوله تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ)؛[٦] = فيه إيجاز؛ والتقدير (فضرب فانفلق).
**وخلاصة ما سبق أنه إن زاد اللفظ على المعنى، فهو إطناب، وإن كان المعنى أكثر، فهو إيجاز، وإن تساوى اللفظ والمعنى فهو مساواة، وهذا هو الأكثر في الكلام**[٧]
أمثلة على المساواة
أمثلة على المساواة من آيات القرآن الكريم
في الآتي أمثلة على المساواة من آيات الذكر الحكيم:
- قال تعالى: "كلّ نفسٍ بما كسبت رهينة".[٨]
- قال تعالى: "من كفر فعليه كفره".[٩]
- قال تعالى: "الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنّه لمن الصادقين".[١٠]
- قال تعالى: "ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملكٌ كريم".[١١]
- قال تعالى: "نحن نقص عليك أحسن القصص، بما أوحينا إليك هذا القرآن".[١٢]
أمثلة على المساواة من الشعر
في الآتي أمثلة من الشعر على المساواة:[١٣]
- قال الشاعر:
ولمّا قضينا من منى كل حاجة *** ومسّح بالأركان من هو ماسحُ
وشدّت على دهم المطايا رحالنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المطي الأباطحُ
- قال الأعشى في اعتذاره لأوس بن لأم عن هجائه إياه:
وإني على ما كان مني لنــــــادمُ *** وإني إلى أوس بن لأم لتائب
وإني إلى أوس ليقبل عذرتــــي *** ويصفح عني ما حييت لراغب
فهب لي حياتي فالحياة لقائــــم *** بشكرك فيها خير ما أنت واهب
سأمحو بمدحي فيك إذ أنا صادق *** كتاب هجاء سار إذ أنا كاذب
المراجع
- ^ أ ب أحمد الهاشمي ، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 47. بتصرّف.
- ↑ علي الجارم ومصطفى أمين ، البلاغة الواضحة، صفحة 239-240. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:110
- ↑ سورة فاطر، آية:43
- ↑ سورة الإنسان، آية:8
- ↑ سورة الشعراء، آية:63
- ↑ "الإيجاز والإطناب والمساواة في البلاغة"، ألوكة. بتصرّف.
- ↑ سورة المدثر، آية:38
- ↑ سورة الروم ، آية:44
- ↑ سورة يوسف، آية:51
- ↑ سورة يوسف، آية:31
- ↑ سورة يوسف، آية:3
- ↑ عبد العزيز عتيق ، علم المعاني، صفحة 204. بتصرّف.