علم العروض هو علم يدرس أوزان القصائد الشعريّة العربية، فهو ميزان للشعر، ومعيار للأبيات والقصائد، وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو أحد أئمة اللغة والأدب في القرن الثاني للهجرة، نظم علمه بستة عشر بحرًا، جمع فيها جلّ الأوزان المتعارفة عند العرب في قصائدهم، وبين يدينا بحر الرجز- بفتح الراء والجيم-، أحد البحور الشعرية العربية، وسيتم الحديث عنه والتعريف به في هذا المقال.


حول بحر الرجز

يعد بحر الرجز موضع حديث أهل الأدب، ونظرتهم إليه على أنه أصل الأوزان أو أقدمها، وشعر الرجز في أصله فنٌ شعبيّ امتاز عن غيره من فنون الأدب بغرابة ألفاظه ووحدة موسيقاه، حيث جاء بعضها من البادية فكانت غريبة على أهل الحضر، وقد جاء كثير من الكلمات واشتقاقاتها لضرورة الوزن والقافية دون الاعتماد على أي قاعدة لغوية، كما كان قصير العبارات ليتناسب مع الوزن القصير فكان التضمين والجمل الاعتراضية وتقطيع العبارات ظاهرة بارزة في الأراجيز، ومن أشهر الرجاز العجاج، وعنترة بن شداد، وقد استُخدم هذا البحر الشعري في نظم العلوم الدينية والشرعية، وذلك لسهولة حفظه، وسلاسة نظمه، ومثال ذلك ألفية ابن مالك في علم النحو، وطيبة النشر في القراءات العشر لابن الجزري.[١]


وحينما يتحدّث العرب عادة عن نشأة الشعر العربي فهم يربطون الأمر وينسبونه إلى توقيع الجمال بالصحراء، وإلى نظم وقع خطاها فوق الرمال، فيربطون بين حداء الإبل ووزن بحر الرجز، فمقاطعه شبهت بمشي الجمال الهوينا، وكان العرب يحدون إبلهم بوزن هذا البحر- أي يغنون للإبل- إذا أرادوا سيرها، والكلام عند العرب قد يأتي على وزن بحر الرجز سليقة دون عمد أو قصد، بل يكون وزنه عفوًا على محض الصدفة، كما جاء الكلام على وزن بحر الرجز في غزوة حنين على لسان المصطفى- صلى الله عليه وسلم- حين أنشد:

أنا النبي لا كذب * * * أنا ابن عبد المطلب.[١]


سبب تسمية بحر الرجز

سُمّي الرجز بهذا الاسم نسبة لداء الرجز، وهو داء يصيب الإبل ترتعش منه أفخاذها عند قيامها ولذلك أُطلق على هذا البحر من الشعر رجزًا لأنه تتوالى فيه الحركة والسكون، ثم الحركة والسكون، وهو يشبه في هذا بالرجز في رجل الناقة ورعشتها حين تصاب بهذا الداء فهي تتحرك وتسكن، ثم تتحرك وتسكن، ويقال لها حينئذ رجزاء، فسمّاه الخليل بن أحمد الفراهيدي بهذا الاسم (الرجز) لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام، فالمعنى الاصطلاحي للبحر العروضي مُستقى من المعنى اللغوي.


يقول ابن دريد: "إنما سمي بهذا الاسم لتقارب أجزائه وقلة حروفه، وقيل: بل سمي كذلك لأن العرب لا تستعمل منه على الأكثر إلا المشطور ذا الثلاثة الأجزاء، وهو بهذا شبيه بالراجز من الإبل وهو ما شدّ إحدى يديه وبقي قائمًا على ثلاث قوائم".

وبحر الرجز يسمى أيضًا عند العرب بـ "حمار الشعر"، لأنه أقرب الأوزان إلى النثر، وأكثر الأوزان الشعرية تعرّضًا للتغيير والتحوير والتبديل، وهناك نوع من الرجز سمّي ب"المزدوج" وهو ما التزم في شطريه حرف أو حرفان تصريعًا أو تقفية، ويعرف ما ينظم على هذا البحر العروضي بالأرجوزة أو الأراجيز، ويسمى الشاعر الناظم على هذا البحر بالراجز.[٢]


وزن بحر الرجز

انتشر بحر الرجز وشاع في العصور المختلفة، فقد انتشر في الجاهلية والإسلام، ونظم على وزنه كثير من الشعراء وسجلوا فيه أنسابهم وأحسابهم وتاريخهم، هذا ويشار إلى أنّ بحر الرجز أكثر البحور تقلبًا وتعرضًا لإصابته بالزحافات والعلل، والشطر والنهك والجزء، فلا يبقى على حال واحدة، أمّا وزن بحر الرجز التام، فهو:

مستفعلن مستفعلن مستفعلن * * * مستفعلن مستفعلن مستفعلن


زحافات بحر الرجز

التفعيلة الرئيسة لبحر الرجز، هي (مستفعلن)، وتقطيعها (- - ب -)، ولبحر الرجز ثلاثة أنواع من الزحافات، وهي:[٣]

  • الخبن: ويُعنى بها حذف الحرف الثاني الساكن، وهو هنا حرف السين، وتصبح (متفعلن) وتقطيعها: (ب - ب -).
  • الطيّ: ويعنى بها حذف الحرف الرابع الساكن، وهو هنا الفاء، وتصبح (مستعلن) وتقطيعها (- ب ب -).
  • الخبل: ويعنى بها حذف الحرف الثاني الساكن، وحذف الحرف الرابع الساكن، لتصبح (متعلن) وتقطيعها (ب ب ب -).


ونادرًا ما يدخل الخبل في تفعيلات بحر الرجز جميعها، ولذلك وإن حدث سيحذف اثني عشر حرفًا من البيت الشعري، وهذا يؤدي لخلل في القصيدة، ولكن إذا دخل الخبل على إحدى تفعيلات البيت الشعري فيجب أن تصح تفعيلة أخرى أو قد يدخلها زحاف واحد لتعويض النقص في الحروف المحذوفة.


صور بحر الرجز

  • بحر الرجز التام: وهو ما كانت تفاعيله ستّ تفعيلات، (مستفعلن مستفعلن مستفعلن * * * مستفعلن مستفعلن مستفعلن)


البيت الشّعري
جئناه والشمس قبيل المغرب
تختال في ثوب الأصيل المذهب
التقطيع الصوتيّ
جئ نا ه وش شم س ق بي لل مغ ر بي
تخ تا ل في ثو بل أ صي لل مذ ه بي
المقاطع الصوتية
-- ب - - ب ب - - - ب -
-- ب - - - ب - - - ب -
المقاطع العروضيّة
-- ب - / - ب ب - / - - ب -
-- ب - / - - ب - / - - ب -
التفعيلات العروضيّة
مستفعلن مستعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مستفعلن


  • بحر الرجز المختصر: ويأتي على ثلاثة أنواع:
  • مجزوء الرجز: وهو ما جاء على أربع تفعيلات، هي: (مستفعلن مستفعلن * * * مستفعلن مستفعلن)، ومثاله:


البيت الشّعري
تالله أنسى حبها
حياتنا أو أقبر
التقطيع الصوتيّ
تل لا ه أن سا حب ب ها
ح يا ت نا أو أق ب رو
التقطيع العروضي
-- ب - - - ب -
ب - ب - - - ب -
المقاطع العروضيّة
-- ب - / - - ب -
ب - ب - / - - ب -
التفعيلات العروضيّة
مستفعلن مستفعلن
متفعلن مستفعلن


  • مشطور الرجز: وهو ما جاء البيت الشعريّ منه على ثلاث تفعيلات، (مستفعلن مستفعلن مستفعلن)، ومثاله:


البيت الشّعري
تحية كالورد في الأكمام
التقطيع الصوتيّ
ت حي ي تن كل ور د فل أك ما مي
التقطيع العروضي
ب - ب - - - ب - - - -
المقاطع العروضيّة
ب - ب - / - - ب - / - - -
التفعيلات العروضيّة
متفعلن مستفعلن مستفعل


  • منهوك الرجز: وهو ما جاء البيت الشعري منه على تفعيلتين، (مستفعلن مستفعلن)، ومثاله:[٣]


البيت الشّعري
إلهنا ما أعدلك
التقطيع الصوتيّ
إ لا ه نا ما أع د لك
التقطيع العروضي
ب - ب - - - ب -
المقاطع العروضيّة
ب - ب - / - - ب -
التفعيلات العروضيّة
متفعلن مستفعلن


المراجع

  1. ^ أ ب إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، صفحة 124. بتصرّف.
  2. غازي يموت، بحور الشعر، صفحة 117. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد العزيز عتيق، علم العروض والقافية، صفحة 71. بتصرّف.