المفعول به اسم منصوب يدل على مَن وقع عليه فعل الفاعل سواءً بالإثبات أو بالنّفي، فمثلًا في جملة: (شاهدَ عليٌّ التلفاز)، وقع فعل المشاهدة على التلفاز، لذا يُعرب التلفاز: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، أما في جملة: (ما شاهدَ عليّ التلفازَ)، فإن وقوع الفعل على المفعول به منفيّ، أي أنَّه لم يشاهدْ التلفاز، ولا تتغير صورة الفعل مع المفعول به، سواءً كان مفردًا أم مثنى أم جمعًا، فنقول، (تُكرم المدرسةُ المتفوقَ)، (تُكرم المدرسةُ المتفوقَينِ)، (تُكرم المدرسةُ المتفوقِينَ)، والأصل في ترتيب الجملةِ الفعلية التي تحتوي على مفعول به أنْ يكون على النحو الآتي: (فعل + فاعل + مفعول به)، لكن ثمة مواضعٌ يتقدم فيها المفعول به على الفاعل إما وجوبًا أو جوازًا، وهذا ما سنوضّحه في هذا المقال.[١]


تقديم المفعول به على الفاعل وجوبًا

الأصل في الجملة الفعليّة هو أنْ يتقدمَ الفاعل على المفعول به، فنقول: "صنعت الأمُ سلةً من القش"، (فالأم) هنا هي الفاعل، و(سلة) هي المفعول به، ولكن بعض الحالات تقتضي أنْ يتقدّمَ المفعول به على الفاعل وجوبًا، فيتوسط بينه وبين الفعل، ولا تُعد الجملة صحيحة إلا بذلك، وفيما يلي توضيح لهذه الحالات:


إذا كان الفاعل محصورًا

أي إذا كان الفاعل محصورًا بإحدى أداتي الحصر "إلّا، إنَّما"، ومثال الفاعل المحصور في قوله تعالى: (إنَّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)،[٢] لفظ الجلالة (اللهَ) مفعول به مقدم منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و(العلماءُ) فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وفي قوله تعالى: (ومَنْ يغفر الذنوبَ إلَّا اللهُ)،[٣] فهنا الفاعل المؤخر هو (اللهُ)، والمفعول به المُقدّم هو كلمة (الذنوبَ).[٤]


إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول به

انظر إلى المثال التالي: "سكن الدارَ مالكُها"، من الذي سكن في هذه الجملة؟ (المالك) هو الذي سكن في الدار، لذلك "مالكُها" فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف، و(ها): ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه، و"الدار" مفعول به مقدّم منصوب وعلامة نصبه الفتح، وسبب التقديم هو أنَّ الفاعل اتصل به ضمير "الهاء" والذي يعود على "الدار"، فلا يجوز أنْ نقولَ "سكن مالكُها الدار"، لأنَّ الضمير المتصل بالفاعل يجب أنْ يعود على شيء متقدم لفظًا وليس متأخراً عنه (فالضمير يعود على شيء قبله وليس بعده).[٥]


إذا كان المفعول به ضميرًا متصلًا بالفعل والفاعل اسمًا ظاهرًا

ومثال هذه الحالة: "سرني قدومُك اليوم"، المفعول به في هذه الجملة هو الضمير المُتصل "الياء"، والفاعل هو الاسم الظاهر "قدوم"، وسبب التقديم هو أنَّ المفعول به ضمير متصل بالفعل، والفاعل اسم ظاهر،[٥] انظر إلى جملة "شكرتُهُ على حسن ضيافته"، هنا جاء المفعول به ضمير متصل "الهاء"، لكن الفاعل ليس اسمًا ظاهرًا، بل ضميرًا متصلًا أيضًا وهو "التاء"، وفي مثل هذه الحالة لا ينطبق تقديم المفعول به على الفاعل، بل العكس تقديم الفاعل على المفعول به وجوباً.


*إضاءة*

تجدر الإشارة إلى أنّ الضمائر المتصلة التي تقع في محل نصب مفعول به هي: ياء المتكلم، نا المتكلمين، الكاف للمخاطب والمخاطبة، كُمَا للمثنى المخاطب، كُمْ للمخاطبين، كُنَّ للمخاطبات، الهاء للغائب، ها للغائبة، هما للغائب المثنى، هم للغائبين، وهُنَّ للغائبات، كما في الأمثلة التالية: أحزنَكَ الأمرُ، أعجبَهُ الموضوعُ، زارَهم محمدٌ اليومَ.


إذا كان العامل صفة مشتقة مضافة إلى المفعول به

ومثال ذلك: "هذا مكرم سمير أبوه"، وكأنَّ الجملة تقول: "مكرم أبوه سميرًا"، حيث (مكرم) اسم فاعل مضاف إلى المفعول به (سمير)، وتُعرب كلمة (سمير) مضاف إليه مجرور في محل نصب مفعول به، و(أبو) فاعل مكرم مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنَّه من الأسماء الستة.[٥]


إذا كان الفاعل نكرة والمفعول به معرفة

كما في جملة " لم يهملْ الدرسَ طالبٌ"، فالمقصود أنَّه لم يهمل الدرس أيّ طالبٍ بشكل عام وليس المقصود طالب بعينه، وتُعرب الجملة كالتالي: لم: حرف جزم، يهملْ: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، الدرسَ: مفعول به مُقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، طالب: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم.[٤]


إذا كان المفعول به مضافًا إليه المصدر المُقدر بأنْ + الفعل

ومثال ذلك: "يعجبني إكرام الضيفِ محمود"، وكأنَّ الجملة تقول: "يعجبني أنْ يُكرم محمودٌ الضيفَ"، وفي هذه الحالة يُعرب المفعول به (الضيفِ) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة، في محل نصب مفعول به، و (محمود) فاعل المصدر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، ومثال آخر: "أعجبني تقدير الأوائلِ أستاذهم"، أي: "أنْ يقدرَ الأستاذُ الأوائلَ".[٤]


تدريب (1)

حدد الفاعل والمفعول به في الجمل الآتية، مع ذكر سبب وجوب تقديم المفعول به:


الجملة
الفاعل
المفعول به
سبب تقديم المفعول به على الفاعل وجوبًا
صافحني سميرٌ.
سميرٌ
الضمير المتصل "الياء"
لأنَّ المفعول به ضمير متصل والفاعل اسم ظاهر.
(وإذا ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ)[٦]



إنَّما يتقنُ العملَ المؤمنُ.



وبخَنا المعلمُ لعدم التزامنا الهدوء.



(يوم لا ينفع الظالمينَ معذرتُهم)[٧]



ما أكرم زيدًا إلَّا خالدٌ.



يحرثُ الأرضَ صاحبُها.




تقديم المفعول به على الفاعل جوازًا

يتقدم المفعول به جوازًا على الفاعل في حالة واحدة، وهي إذا أمِنَ اللبس، أي بوجود قرينة (دليل) يميّز بين الفاعل والمفعول به، والمقصود ب "جوازًا" أنَّه سواء قدمنا أو أخرنا المفعول به عن الفاعل، في الحالتين تكون الجملة صحيحة، وفيما يلي توضيح لهذه القرائن:[٨]


القرينة
مثال
التوضيح
الحركة الإعرابيّة
ألقى القصيدةَ الشاعرُ
تمّ تمييز الفاعل عن المفعول به من خلال حركتي الضم والفتح، فالفاعل دائما مرفوع، والمفعول به دائمًا منصوب، وعليه
ف (القصيدةَ) هي المفعول به
(الشاعرُ) هي الفاعل
قرينة لفظيّة
(تاء التأنيث الساكنة)
علمتْ عيسى سلوى
في هذا المثال يجوز أنْ يكونَ كلا الاسمين فاعلًا، ففعل الإلقاء يقوم به الشاعر (الإنسان)، كما أن الحركة الإعرابية غير ظاهرة لأن كليهما أسماء مقصورة، لكن تاء التأنيث أزالت اللبس، وميزنا من خلالها أنَّ الفاعل مؤنث، وبذلك تكون (سلوى) هي الفاعل.
قرينة لفظيّة
(النعت -الحركة على النعت-)
قابلَ معلمي والدي الفاضلُ
في هذه الجملة كلمة "والدي" هي الفاعل، وميزنا ذلك من خلال وجود قرينة "حركة النعت"، فالنعت يتبع المنعوت بالحركة، وبما أنَّ كلمة "الفاضلُ" مرفوعة، إذًا المنعوت "والدي" مرفوع، والفاعل هو الذي حكمه الرفع.
قرينة معنويّة
استعارَ كتابي صديقي
في هذه الجملة لا يوجد تاء تأنيث ولا نعت ولا حركات، لكن تم تمييز الفاعل من المفعول به من خلال المعنى، لأنَّ الصديقَ هو مَنْ استعار الكتاب لا العكس.


تدريب (2)

حدد الفاعل والمفعول به في كل مما يلي، وهل يجوز تقديم المفعول به أم لا، مع ذكر السبب:


الجملة
الفاعل
المفعول به
يجوز/ لا يجوز تقديم المفعول به
علّمتْ سلوى سلمى.
سلوى
سلمى
لا يجوز، تاء التأنيث لا تُعد هنا قرينة، لأنَّه لحق بها اسمان مؤنثان، فلا نستطيع أنْ نحددَ أيهما الفاعل، لذا ففي مثل هذه الحال يعتمد على ترتيب الجملة، بحيث يتقدم الفاعل على المفعول به، وبذلك يكون الاسم الأول هو الفاعل.
حثَّ والدي أخي.
والدي
أخي
لا يجوز، لعدم وجود قرائن، لذا فإن الفاعل هو المقدم عن المفعول به في الجملة، وكلمة (والدي) هي الفاعل.
أصلحتْ صديقتي دراجتي.
صديقتي
دراجتي
يجوز، لوجود قرينة معنويّة، فمن خلال المعنى يتضح لنا أنّ (الصديقة) هي التي تستطيع أنْ تقوم بإصلاح الدراجة، لكن السؤال هنا، هل نستطيع أنْ نقول أنَّ القرينة هي وجود تاء التأنيث؟ الجواب هو لا، لأنَّ تاء التأنيث تُعد قرينة إذا تبعها اسمان من المحتمل أنْ يقوما بالفعل، لكن "الدراجة" من غير الممكن أنْ تكونَ هي الفاعل.
حثَّ والدي العزيزُ أخي.



أرشدتْ عيسى لبنى.



باعَ الفلاحُ الأرضَ.



أكل الكمثرى مصطفى.




تدريب (3)

أي من الجمل التالية تقدّم فيها المفعول به عن الفاعل، مع توضيح السبب:


الجملة
تقدم / لم يتقدم
السبب
اتقوا اللهَ.
لم يتقدم
لأنَّ الفاعل هو الضمير المتصل (واو الجماعة)، بينما المفعول به اسم ظاهر، وشرط التقديم هو أنْ يكونَ المفعول به ضميرًا متصلًا، والفاعل اسمًا ظاهرًا.
يسرني مكافأة المُجدين.
تقدم
لأنَّ المفعول به (المجدين) أضيف إلى المصدر (مكافأة)، فيجوز تقديم المفعول به، كأنَّ الجملة تقول: "يسرني أنْ يكافئ هو المجدين".
سألناه أسئلةً كثيرةً.


أحبَّ المعلمَ طلبتُه.


قابلني المديرُ.


ما أكرمَ النساءَ إلَّا كريمٌ.


ساعدت أختي صديقتي المجتهدةُ.



المراجع

  1. فؤاد نعمة ، ملخص قواعد اللغة العربية، صفحة 66. بتصرّف.
  2. سورة فاطر، آية:28
  3. سورة آل عمران، آية:135
  4. ^ أ ب ت إبراهيم إبراهيم بركات، النحو العربي الجزء الثاني، صفحة 189. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي، شرح جمل الزجّاجى الجزء الأول، صفحة 101. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:124
  7. سورة غافر، آية:52
  8. محمود حسني، النحو الشافي، صفحة 340. بتصرّف.