تنقسم الجمل في اللغة العربية إلى جمل إنشائية وجمل خبرية، ويُقصد بالجمل الإنشائية الجمل التي لا تحتمل الصدق أو الكذب، مثل: جمل المدح، والتعجب، والاستفهام، ومثال ذلك جملة (ما اسم آخر كتاب قرأته؟)، وجملة (ما أكبرَ هذه المدينة!)، أمّا الجمل الخبرية فهي الجمل التي تحتمل الصدق أو الكذب، فإذا طابقت الجملة الواقع تكون جملة صادقة، والعكس الصحيح، والخبر إذا ألقيَ على مُخاطَب خالي الذّهن ودون مؤكّدات؛ أي دون استخدام أدوات التأكيد، سمّي خبرًا ابتدائيًا، أمّا إذا أُلقي الخبر على مُخاطب متردّد أو شاك وبمؤكّد واحد فقط يكون الخبر طلبيًا، وإذا أُلقي الخبر على مخاطب منكر تمامًا للجملة يُؤكّد الخبر بمؤكدين أو أكثر بحسب درجة إنكار الخبر ويكون الخبر إنكاريًا، ولكن هذا الخبر قد يخرج عن مُقتضى الظاهر، وهذا المقال سيُركّز على الحالات التي يخرُج فيها الخبر عن مُقتضى الظاهر.[١]


خــــــــروج الخـــبــر عـــن مقـــتـــضى الظـــاهـــر

إذا أُلقي الخبر خاليًا من التوكيد لخالي الذّهن، ومؤكدًا استحسانًا للسائل المُتردّد، ومؤكدًا وجوبًا للمُنكِر، كان ذلك الخبر جاريًا على مُقتضى الظّاهر، وقد يجري الخبر على خلاف ما يقتضيه الظاهر لاعتبارات يلحظها المتكلّم، والجدول الآتي يوضّح الحالات التي يخرُج فيها الخبر عن مُقتضى الظّاهر:[٢]


الحــــــــالــــــــــة
المــــــــــــــــــــــــثال التــــــــــــــوضــــــــــــــيحـــــــــي
عندما يُنزّل المُخاطب خالي الذّهن منزلة السائل المتردّد إذا تقدّم في الكلام ما يُشير إلى حُكم الخبر.
قال تعالى: "ولا تُخاطبني في الذين ظلمُوا إنّهم مُغرقون"،[٣] في الآية الكريمة المُخاطب خالي الذهن من الحكم الخاص بالظالمين، ولذلك كان الأصل أن يُلقى إليه الخبر خاليًا من المؤكدات ويكون الخبر ابتدائيًا، ولكن الآية الكريمة احتوت على توكيد (إنّهم) وسبب ذلك أن الله -عز وجل- عندما نهى نوحًا عليه السلام عن مخاطبته بخصوص مخالفيه، دفعه ذلك إلى التطلّع إلى مصيرهم وإلى ما سيصيبهم، فأصبح بذلك في منزلة السائل المتردد، هل سيُغرقون أم لا؟، لذلك أجيب بـ (إنّهم مُغرقون) لإزالة الشك والتردد.
عندما يجعل المتكلّم غير المُنكر كالمُنكِر لظهور إمارات الإنكار عليه.
قال تعالى: "ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون"،[٤] في هذه الآية المُخاطبون غير منكرين للحكم ولكن الآية الكريمة جاءت مؤكّدة بمؤكديْن (إنّ واللام في خبر إنّ)، والسبب في ذلك أنّ غفلة هؤلاء عن الموت وعدم الاستعداد الجيّد له بالعمل الصالح يُعدّان من علامات الإنكار، لذلك نُزّلوا منزلة المُنكرين وأُلقي إليهم الخبر مُؤكدًا بمؤكدين.
عندما يجعل المُنكِر كغير المُنكِر إن كانت لديه دلائل وشواهد لو تأمّلها لارتدع عن إنكاره.
قال تعالى: "وإلهكم إله واحد"،[٥] في هذه الآية يخاطب الله -عزّ وجل- المُنكرين الذين يجحدون وحدانيته، ولكنّه ألقى إليهم الخبر خاليًا من المؤكّدات، والسبب في ذلك أنّ أمام هؤلاء البراهين الواضحة والحجج القاطعة التي تدل على وحدانية الله عز وجل، ولو تأملوا هذه الدّلائل لتوصلّوا إلى وحدانية الله، لذلك لم يُقِم الله -عز وجل- وزنًا لإنكارهم عند توجيه الخطاب لهم.


مثال تدريبي (1)

وضّح خروج الخبر عن مقتضى الظاهر في الجملتين الآتيتين:[٢]

  • إنّ الله لمطلّع على أفعال العباد (عندما تُقال لمن يظلم الناس، ويتعدّى عليهم بغير حق): مُقتضى الظاهر أن يُلقى الخبر خاليًا من المؤكدات لأنّ المخاطب لا يُنكر أن الله مطلّع على أفعال العباد، ولكنّ الخبر هُنا ألقي بمؤكدين هما (إنّ، واللام في خبر إنّ) وأُنزل المُخاطب منزلة المنكر، لظهور إمارات الإنكار عليه وهي ظلمه العباد وتعديه عليهم بغير حق.
  • الله موجود (عندما تُقال هذه الجملة لشخص ينكر وجود الإله): مُقتضى الظاهر أن يُلقي الخبر مؤكدًا بمؤكدين أو أكثر لأنّ الشخص لا يؤمن بوجود إله، ولكن بسبب وجود العديد من الدلائل والشواهد التي لو تأملها لتوصل إلى الحقيقة ولارتدع عن إنكاره، أُنزل منزلة غير المنكر، لوضوح الدلائل والحُجج، وأُلقي إليه الخبر خاليًا من التوكيد على خلاف مُقتضى الظاهر.


مثـــال تــدريــبــي (2)

علّل خروج الخبر عن مقتضى الظّاهر فيما يلي:[٦]

  • قال تعالى: "وما أُبرئ نفسي، إنّ النّفس لأمارةٌ بالسوء"،[٧] في هذه الآية الكريمة كان المُخاطب خالي الذهن من الحكم (إنّ النّفس لأمارةٌ بالسوء)، ولكن هذا الحكم كان مسبوقًا بقوله تعالى: "وما أبرئ نفسي"، والآية تُشير إلى أنّ النفس محكوم عليها بشيء غير محبوب، لذلك أصبح المخاطب منتظرًا إلى نوع الحكم بعد الآية، فأُنزل بسبب ذلك منزلة المتردد، وأُلقيَ إليه الخبر مؤكدًا بـ (إنّ، واللام).
  • قال حَجَل القيسي: جاء شقيقٌ عارضًا رمحه إنّ بني عمّك فيهم رماحُ، في هذا البيت الشعري شقيق لا يُنكر رماح بني عمّه ولكن عندما جاء عارضًا رُمحه من غير استعداد للقتال دلّ ذلك على عدم اهتمامه، وعلى اعتقاده بأنّ بني عمّه عُزّل لا سلاح معهم، لذلك أُنزل منزلة المنكرين فأُكّد له الخبر، باستخدام (إنّ) وخوطب خطاب المُنكر، فقيل له: "إنّ بني عمّك فيهم رماح".


المراجع

  1. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 58-59. بتصرّف.
  2. ^ أ ب علي الجارم ومصطفى أمين ، البلاغة الواضحة، صفحة 164-162. بتصرّف.
  3. سورة هود، آية:37
  4. سورة المؤمنون ، آية:15
  5. سورة البقرة ، آية:163
  6. عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 61. بتصرّف.
  7. سورة يوسف ، آية:53