يُعرّف الاستفهام على أنّه طلب العلم بشيء لم يكن معلومًا من قبل، وله أدوات كثيرة منها الهمزة وهل، ومثال ذلك: (أراكبًا جئت أم ماشيًا؟)، و (أيوم الجمعة يستريح العمال أم يوم الأحد؟)، و(هل أنتَ من الأردن؟)، وإلى جانب الهمزة وهل هناك أنّى التي تأتي لمعان عديدة، وكم، وأيّ، وبالإضافة إلى طلب العلم بشيء لم يكن معلومًا مسبقًا قد يخرج الاستفهام إلى معانٍ بلاغية تُفهم من السياق، وهذا المقال سيطرح أمثلة توضّح الأغراض البلاغية التي يخرج إليها الاستفهام.[١]


الأغراض البلاغية التي يخرج إليها الاستفهام

وفيما يلي توضيح للأغراض البلاغية التي يخرج إليها الاستفهام:[٢]


المــــــــثـــــال التــــــوضيـــــحــــــي
الغــــرض البـــــلاغـــي الـــذي خـــرج إليـــه الاستـــفــهــام
قال تعالى: "قالوا سواءٌ علينا أَوَعظتَ أم لم تكنْ من الواعظين".[٣]
في الآية الكريمة هناك مساواة بين الوعظ وعدم الوعظ لذلك فإنّ الغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام الواضح في الهمزة هو التســــوية.
قال تعالى: "فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا".[٤]
الاستفهام في الآية الكريمة لم يُقصد به الاستفهام الحقيقي، أو انتظار الجواب وإنّما تمنّي أن يكون هناك شفعاء للمقصودين بسياق الآية، لذلك فإن الغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام هو التّــــمني.
قال تعالى: "هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم".[٥]
عندما تقرأ الآية الكريمة فإنك ستشعر بالرغبة في معرفة التجارة المنجية من العذاب، لذلك فإن الاستفهام في الآية الكريمة قد خرج إلى غرض بلاغي هو التشــويـــق.
قال البحتري:
هل الدّهر إلا غمرة وانجلاؤها *** وشيكًا وإلّا ضيقة وانفراجها؟
البحتري هنا لا يسأل عن شيء، وإنّما يريد أن يقول ما الدهر إلا شدة سرعان ما تنجلي، وما هو إلا ضيق يعقبه فرج، فالاستفهام بهل خرج إلى غرض النفي لا لطلب العلم بشيء كان مجهولًا.
قال أبو الطيب في المديح:
أتلتمس الأعداء بعد الذي رأتْ *** قيام دليل أو وضوح بيان؟
أبو الطيب يُنكر على الأعداء ارتيابهم في علا كافور، والتماسهم البراهين على ما كتبه الله له من النصر واختصه به من الحظ السعيد، بعد أن رأوا كيف يتردى في المهالك كل من أراد به شرًا، وكيف يصيب الزمان كل من نوى له سوءًا، والاستفهام هنا خرج إلى غرض الإنكار.
قال البحتري:
ألستَ أعمّهم جودًا وأزكا *** همُ عودًا وأمضاهم حُسامًا؟
البحتري في البيت السابق يريد أن يحمل الممدوح على الإقرار بما ادّعاه له من التفوق على بقية الخلفاء في الجود، والشجاعة، وبسطة الجسم، ولا ينتظر جوابًا وليس قصده الاستفهام، وإنما خرج الاستفهام إلى غرض التقرير.
قال شاعر:
إلامَ الخلف بينكم إلا ما؟ *** وهذي الضجة الكبرى علاما؟
الشاعر يلوم مخاطبيه على تماديهم في الشقاق واستمرارهم في التخاذل والتنافر، ويقرعهم على غلوهم في الصخب والضجيج، فهو قد خرج بأداة الاستفهام من معناها الأصلي إلى غرض بلاغي هو التوبيخ والتقريع.
قال أبو الطيب في الرثاء:
من للمحافل والجحافل والسُـــرى؟ *** فقدت بفقدك نيرًا لا يطلــــع
ومن اتخذت على الضيوف خليفةً؟ *** ضاعوا ومثلك لا يكاد يُضيّـــع
يقصد الشاعر في بيتي الشعر التعظيم والإجلال بإظهار ما كان للمرثي أيام حياته من صفات السيادة والشجاعة والكرم، مع ما في ذلك من إظهار التحسر والتفجع، فالغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام هنا هو التعظيم والإجلال.
قال المتنبي يهجو كافورًا:
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم؟ *** أين المحاجم يا كافور والجَلَمُ؟
في هذا المثال هجا المتنبي كافورًا وعمد إلى تحقيره والحط من كرامته، فالغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام هنا هو التحقـــيــر.
قال الشاعر:
حتّام نحن نساري النّجم في الظّلم *** وما سُراهُ على خف ولا قَدمِ؟
معنى الاستفهام في قول الشاعر (حتّام) ليس الاستفهام بمعناه الحقيقي ولا ينتظر جوابًا، وإنّما خرج الاستفهام إلى غرض بلاغي هو الاستبطاء.
قال المتنبي عندما أصابته الحمّى:
أبنتَ الدّهر عندي كل بنتٍ *** فكيفَ وصلتِ أنتِ من الزحام؟
المتنبي هنا يخاطب الحمّى ويتعجّب منها كيف وصلت إليه بالرغم من كل المصاعب في حياته، لذلك فإنّ الغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام هنا هو التعــجّب.


أمثلة قرآنية على الأغراض البلاغية للاستفهام

  • قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[٦]= الاستفهام يفيد التقرير.
  • قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[٧] = الاستفهام يفيد النفي.
  • قوله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)[٨] = الاستفهام يفيد التهكم والسخرية.
  • قوله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)[٩] = الاستفهام يفيد التسوية.
  • قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ)[١٠] = الاستفهام يفيد الإنكار.
  • قوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ)[١١] = الاستفهام يفيد التعجب.


أمثلة تدريبية

مثال تدريبي (1)

اُكتب مثالين على استفهام خرج إلى غرض بلاغي مع الإشارة إليه:

  • قال الشاعر: أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر؟.

الاستفهام يفيد التعظيم.


  • قال الشاعر: فدع الوعيد فما وعيدك ضائري *** أطنين أجنحة الذباب يضير؟.

الاستفهام يفيد التحقير.


مثال تدريبي (2)

ما الغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام في الجملة الآتية:[١٢]

  • قال الشاعر: فما ترجي النفوس من زمنٍ *** أحمد حاليه غير محمود.

الغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام هو النفي أي أن النفوس لا ترجو شيئًا من زمن أحواله كلها متشابهة وأفضل الخيارين من أحواله مرّ.


المراجع

  1. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 78. بتصرّف.
  2. علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، صفحة 197-199. بتصرّف.
  3. سورة الشعراء، آية:136
  4. سورة الأعراف، آية:153
  5. سورة الصف، آية:10
  6. سورة الشرح، آية:1
  7. سورة الرحمن، آية:60
  8. سورة هود، آية:87
  9. سورة المنافقون، آية:6
  10. سورة البقرة ، آية:44
  11. سورة الفرقان، آية:7
  12. عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 97. بتصرّف.