يُعرَّف الكلام في اللغة العربية على أنَّه اللفظ المُركب المفيد، ويُقصد "بالمفيد" هو الذي يدل على معنى يُحسن السكوت عليه، أمَا "المُركب" هو ما يتكون من كلمتين فأكثر، سواء كانت هذه الكلمات كلها مذكورة أو يتم تقدير بعض منها، وقد قسّم العلماء الكلام إلى عدة أقسام، ثم قاموا بإدماج بعضها في بعض وحصرها في قسمين هما: الخبر والإنشاء، ثم فصّلوا في المعاني المدلول عليها بكلّ منهما، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على كلّ من الأسلوب الخبريّ والإنشائيّ.[١]


تعريف الأسلوب الخبري

الخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب لذاته بغض النظر عن قائله، أي يتحقّق مدلوله في الخارج بدون النطق به، والمُراد بصدق الخبر هو مطابقته للواقع، وكذبه هو عدم مطابقته له، نحو: (العلمُ نافعٌ) حيثُ إنَّ صفة النفع ثابتة للعلم سواءً تلفّظنا بهذه الجملة أو لم نتلفظْ بها، لأنَّ نفع العلم أمر حاصل في الواقع ولا حاجة إلى إثبات جديد يثبت صحة ما اتفق عليه كل الناس واهتدت إليه العقول، فنقول إنَّ النسبة الكلاميّة (وهي ثبوت النفع للعلم) مُطابقته للنسبة الخارجيّة -أي مُطابقته لما في الواقع-، بعكس جملة (الجهل نافع) فنسبته الكلامية ليست مطابقة للنسبة الخارجيّة، فالكلام فيها لا يُطابق الواقع الحقيقي، فالجهل ليس نافعًا ولا يُمكن أنْ يكون كذلك، وتجدر الإشارة إلى أنَّه يُستثنى من الأسلوب الخبري كلّ من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة والحقائق العلميّة.[٢]


أغراض الأسلوب الخبري

الأصل في الخبر أنْ يُلقى لأحد الغرضين، هما:[٣]

  • فائدة الخبر: وهو إفادة المُخاطب الحُكم -المعلومة المذكورة- الذي تتضمنه الجملة إذا كان جاهلًا له، أو لم يطرأ على ذهنه، مثل: (الدّينُ المعاملةُ)، (أقسام الكلام ثلاثة: اسم وفعل وحرف).
  • لازم الفائدة: وهو إفادة المُخاطب أنَّ المتكلمَ عالمٌ أيضًا بالحكم الذي يعلمه المُخاطب، كأن يقول أب لابنه الذي أخفى عليه رسوبه في الامتحان: (أنتَ رسبْتَ في الامتحان).


وقد يُلقى الخبر على خلاف الأصل لأغراض أُخرى تُستفاد من سياق الكلام، أبرزها:[٣]


الغرض
مثال
الاسترحام والاستعطاف
إنّي فقيرٌ إلى عفو ربي.
تحريك الهمة إلى ما لا يلزم تحقيقه
ليس سواءً عالمٌ وجهول.
إظهار الضعف والخشوع
قوله تعالى: (ربِّ إنّي وَهنَ العظمُ مني).[٤]
إظهار التحسر والحزن
قوله تعالى: (ربِّ إنّي وضعتها أنثى).[٥]
إظهار الفرح بِمُقبل، والشماتة بمُدبر
قوله تعالى: (جاء الحقُ وزهقَ الباطلُ)[٦]
التوبيخ
كقول أحدهم لشخص يرفض الاستيقاظ (الشمسُ طالعةٌ)
التذكير بالأُمور المتفاوتة
لا يستوي كسلان ونشيط.


حالات المُخاطب

الغرض من الكلام هو الإفصاح والبيان، لذا يجب أنْ يفهمَ المتكلمُ حالةَ المخاطب لكي يكونَ كلامُه معه بقدر الحاجة، لا زائدًا ولا ناقصًا عنها، والموجّه إليه الكلام -المُخاطب- له ثلاث حالات، هي:[٧]

  • أنْ يكونَ خاليَ الذهنِ من الحكم، أي أنَّه لا يعرف المعلومة التي يخبرها بها المُتكلم، وفي هذه الحالة لا يؤكد له الكلام لعدم الحاجة إلى التوكيد، أي يتم نقل الخبر خاليًا من أدوات التوكيد، مثل: (ما أبوك حاضر)، ويُسمى هذا النوع من الخبر "الخبر الابتدائي".
  • أنْ يكون مترددًا في الحكم طالبًا لمعرفته، وفي هذه الحالة يتم تأكيد الكلام المُلقى إليه بمؤكد واحد، ليتخلص من التردد والشك، على نحو (إن الحق منتصر) ويُسمى هذا النوع من الخبر "الخبر الطلبي".
  • أنْ يكونَ مُنكِرًا للحكم الذي يُراد إلقاؤه إليه، مُعتقدًا خلافه، وفي هذه الحالة يجب على المُتكلم أنْ يؤكد كلامه بمؤكِدين أو أكثر بناءً على درجة إنكاره، نحو: (إنَّ أخاك لقادم)، (والله إنَّه لقادم)، (لعمري إنَّ الحق يعلو ولا يُعلى عليه)، ويُسمى هذا النوع من الخبر "الخبر الإنكاري".


تنويه: لتوكيد الخبر أدوات كثيرة، أبرزها: إنَّ، أنَّ، لام الابتداء، القسم، ونونا التوكيد، وغيرها الكثير.


وعندما يخرج الكلام عن الثلاثة أنواع من الخبر المذكورة أعلاه يُسمى "الخروج على مُقتضى ظاهر الحال"، أي إذا جئنا بالتأكيد على حسب ما ذُكر، سُمي الكلام "مُطابقًا لمقتضى الظاهر" وإذا جئنا بالتأكيد في غير مورده، سُمي "الخروج أو العدول عن مقتضى الظاهر"، وفي الآتي بيان له.


اعتبارات الخروج على مُقتضى ظاهر الحال

قد تقتضي الأحوال العدول عن مُقتضى الظاهر والإتيان بكلام على خلافه لاعتبارات يلحظها المتكلم، وهي:[٨]

  • تنزيل العالم بفائدة الخبر أو لازم الفائدة أو بهما معًا منزلة الجاهل: وذلك لأنَّه لا يُطبق ما يعرفه، فيُلقى إليه الخبر كما يُلقى إلى الجاهل، كقولك لمن يعلم وجوب بر الوالدين لكنَّه لا يحترم أباه: (هذا أبوك)، وكقولك لمَنْ لا يصلي بالرغم من علمه بوجوب الصلاة: (الصلاة واجبة) فتحدثه وكأنَّه جاهلٌ لحكم الصلاة.
  • تنزيل خالي الذهن منزلة السائل المُتردد إذا تقدّم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر: كقوله تعالى: (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنَّهم مغرقون)،[٩] فقوله "إنَّهم مغرقون" فيها تأكيد، مع أن النبي نوح لمْ يتردد أو يرتاب بخبر الله تعالى له بإهلاكهم، وخاطبه الله وكأنَّه المُتردد وكأنَّه كان يتشفع لهم.
  • تنزيل الخالي منزلة المنكر إذا ظهر عليه علامة ودليل على الإنكار: كقول:

(جاء شقيق عارضًا رمحه***إنَّ بني عمّك فيهم رماح)، فـ "شقيق" لا ينكر رماح بني عمّه، ولكن مجيئه واضعًا رمحه على فخذه بالعرض في جهة العدو بدون استعداد للقتال يوحي بأنَّه منكرٌ لرماحهم، وكأنَّه لنْ يجدَ عندهم مقاومًا له، فاستخدم أسلوب التأكيد في الكلام استهزاءً به.

  • تنزيل المُتردد منزلة الخالي الذهن: كقولك لمَنْ يشك في أن الشتاء حلّ (جاء الشتاء).
  • تنزيل المُتردد منزلة المُنكِر: كقولك للمستبعِد حصول الفرج (إنَّ الفرجُ لقريبٌ).
  • تنزيل المُنكر منزلة الخالي الذهن: لأنَّه عنده من الدلائل لو تأملها لزال إنكاره وارتدع، كقولك لمن ينكر أهمية الطب (الطبُ نافعٌ).
  • تنزيل المُنكر منزلة المُتردد: كقولك لمنْ ينكر شرف الأدب إنكارًا ضعيفًا (إنَّما الجاه بالمال إنَّما يصحبك ما صحبك المال، وأمَّا الجاه بالأدب فإنَّه غير زائل عنك).


أقسام الخبر

ينقسم الخبر إلى قسمين:[١٠]

  • الجملة الفعليّة: الجملة الفعلية تتكون من فعل وفاعل، مثل: (نامَ زيدٌ)، أو فعل ونائب فاعل، مثل: (كُرِمُ الطلابُ)، وتفيد التجدد والحدوث في زمن معين، مثل: (يعيش عيشة الفقراء ويحاسب حساب الأغنياء).
  • الجملة الاسميّة: تتكون من مبتدأ وخبر، وهي لا تفيد إلّا ثبوت شي لشيء، مثل: (الأسدُ قوي)، لكن إذا كان خبر المبتدأ فعلًا، فإنَّها تصبح كالجملة الفعلية في إفادة التجدد والحدوث في زمن مخصوص، مثل: (الوطنُ يَسعدُ بأبنائه).


**أمثلة على الأسلوب الخبري:**


  • ليس سواء العالم والجاهل.
  • أقبل عليّ.
  • إن الظلم ظلمات يوم القيامة.
  • يسود الخير في الرحمة.
  • يقول الشاعر: فإنك شمس والملوك كواكب.


تعريف الأسلوب الإنشائي

الإنشاء لغةً: الإيجاد، واصطلاحًا: كلامٌ لا يحتمل صدقًا أو كذبًا لذاته، فلا يُنسب إلى قائله الصدق أو الكذب لعدم تحقق مدلوله في الخارج، وهو ما لا يحصل مضمونه ولا يتحقق إلا إذا تلفظت به، فطلب الفعل في "افعل" وطلب الكف عن الفعل في "لا تفعل" وطلب المحبوب في "التمني" وطلب الفهم في "الاستفهام" وطلب الإقبال في "النداء"، فكل ذلك لا يحصل إلا بنفس الصيغ المُتلفظ بها.[١١]


أقسام الأسلوب الإنشائي


الإنشاء الطلبي

الإنشاء الطلبي هو ما يستدعي مطلوبًا ليس حاصلًا وقت الطلب،[١٢] يُقسم إلى تسعة أقسام، هي:[١٣]


الأمر

وهو طلب الفعل من الأعلى إلى الأدنى، سواء أكان الآمِر أعلى منزلة أم لا، وللأمر أربع صيغ، هي:

  • فعل الأمر: (نَظِفْ غرفتك).
  • فعل المضارع المقرون بلام الأمر: (مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
  • اسم فعل الأمر: (عليك بتقوى الله).
  • المصدر النائب عن فعل الأمر: (وبالوالدين إحسانا)[١٤].


وقد يأتي فعل الأمر لأغراض تُفهَم من السياق غير طلب الفعل، ومنها: الالتماس إذا كان الأمر بين اثنين متساويين في المكانة، والدعاء إذا كان الأمر من البشر إلى الله، والتمني، والتهديد، والتحقير، والتسوية، والإباحة، والامتنان.


النهي

وهو طلب الكفّ عن الفعل على وجه الاستعلاء في سبيل التحريم، وقد يأتي لمعانٍ أُخرى تُفهم من السياق، وهي: الدعاء، الالتماس، التمني، التيئيس، التهديد، التحقير، والإرشاد، ويأتي على صورة واحدة وهي (لا الناهية + الفعل المضارع)، مثل: (لا تتأخروا في الرجوع إلى البيتِ).


الدعاء

وهو طلب الفعل، أو الكف عن الفعل من الأدنى إلى الأعلى، وله ثلاث صيغ، هي:

  • صيغة الأمر: (ربي اغفر لي وارحمني وارزقني الرزق الحلال).
  • صيغة النهي: (ربي لا تجعلْ همي الحياة الدنيا).
  • صيغة الخبر: (أنتَ المنصور) بقصد الدعاء.


العرض

وهو الطلب بلين ورفق، وأداته "ألا" مثل: (ألا تنزل ضيفًا عندنا)، وقول الشاعر:


يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما قد حدثوك فما راء كمَنْ سمعا



التحضيض

وهو الطلب في حث وإصرار، وأدواته هي: (هلّا، ألّا، ألا، لوما، لولا)، مثل قول الشاعر:


لولا تعوجين يا سلمى على دنف فتخمدي نار وجد كاد يفنيه



التمني

وهو طلب حدوث أمر محبوب مستحيل الوقوع أو بعيد، وأداته الأصليّة هي "ليت"، وقد تُستعمل أدوات أُخرى مثل: (لو، ألا)، ومن الأمثلة عليه: (ألا ليت الشباب يعود)، (لو أنَّ الماضي يعود).


الترجي

وهو طلب أمر قريب الوقوع، فإذا كان الأمرُ مكروهًا حُمِّل الترجي معنى الإشفاق، وأدواته الأصليّة هي: (لعلَّ، عسى) وقد يأتي ب (ليت)، ومن أمثلته: (لعلَّ زيدًا تصلُح حاله)، (لعلَّ الفرج قريب).


النداء

وهو المُنادى بحرف نائب عن أدعو، وأدواته هي: "الهمزة" و "أي" لنداء القريب، و "وا"، "أيا"، "هيا" لنداء البعيد، و "يا" لنداء القريب والبعيد، مثل: (يا هذا تأدبْ).


الاستفهام

وهو طلب العلم بشيء لم يكُنْ معلومًا بواسطة أداة من أدواته، وهي: (الهمزة، هل، مَنْ، ما، متى، أين، أيَّان، أنَّى، كيف، كم، أيّ) مثل: (أدبسٌ في الإناء أم عسل؟)، (متى موعد الامتحان؟)، وقد يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معانٍ أُخرى تُفهَم من السياق كالتعجب والاستبطاء والتوبيخ والإنكار.


الإنشاء غير الطلبي

هو ما لا يستدعي مطلوبًا ليس حاصلًا وقت الطلب،[١٢] من أهم صيغ الإنشاء غير الطلبي هي:[١٥]

  • الرجاء: باستخدام (عسى، حرى، اخلولق) مثل: (عسى الله أنْ يأتي بالفتح).
  • القسم: باستخدام (الواو، الباء، التاء، واللام، وغيرها) مثل: (والله ما فعلت هذا).
  • المدح والذم: باستخدام (نِعمَ، بِئسَ، حبذا، لا حبذا، وغيرها) مثل: (نعم الطالب زيد).
  • التعجب: القياسي بصيغتي (ما أفعل، وأفعل به) مثل: (ما أجملَ المناظر الطبيعية)، والسماعي هو ما ليس له وزن ثابت بل يُفهَم من سياق الجملة، مثل: (لله دره عالمًا).


**أمثلة على الأسلوب الإنشائي:**


  • حي على الصلاة = الأمر
  • لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد = النهي.
  • ألا ليت الشباب يعود يوماً = التمني.
  • لعل الهم ينتهي = الرجاء.
  • هل ستأتي اليوم؟ = الاستفهام.


المراجع

  1. محمد عسيري، الأسلوب الخبري وأثره في الاستدلال واستنباط الأحكام الشرعية، صفحة 21-22. بتصرّف.
  2. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في البيان والمعاني والبديع، صفحة 55. بتصرّف.
  3. ^ أ ب السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 55 56. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية:4
  5. سورة آل عمران، آية:36
  6. سورة الإسراء ، آية:81
  7. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 57-58 . بتصرّف.
  8. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 58 59 60. بتصرّف.
  9. سورة هود، آية:37
  10. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع الجزء الأول، صفحة 66-67. بتصرّف.
  11. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع الجزء الأول، صفحة 69. بتصرّف.
  12. ^ أ ب عبد السلام محمد هارون، الأساليب الإنشائية في النحو العربي، صفحة 13. بتصرّف.
  13. عبد السلام محمد هارون، الأساليب الإنشائية في النحو العربي، صفحة 14 - 22. بتصرّف.
  14. سورة الإسراء، آية:23
  15. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 69-70. بتصرّف.