تندرج الكناية تحت علم البيان، وتعرّف لغة على أنها ما يتكلّم به الإنسان ويريد به غيره، وهي مصدر كنيت أو كنوت بكذا عن كذا إذا تركت التصريح به، أما اصطلاحًا فهي لفظ أُريد به غير معناه الذي وضع له مع جواز إرادة المعنى الأصلي، فإذا قال شخص عن آخر: هو حارس على ماله، فالمعنى المقصود أنّ هذا الشخص بخيل، وفي الوقت نفسه يجوز أن يكون المعنى حرفيًا أي أنّه حارس على ماله، وتنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام: كناية عن صفة كقول العرب فلان كثير الرماد كناية عن صفة الكرم، وكناية عن موصوف كقول العرب: ابن الغمام كناية عن موصوف وهو المطر، وكناية عن نسبة وهي موضوع هذا المقال الذي سيوضّح تعريف الكناية عن نسبة من خلال إيراد الأمثلة، إلى جانب توضيح بلاغة هذا النوع من الكنايات.[١]



شرح عن الكناية عن نسبة مع الأمثلة

يُراد بكناية النسبة إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، أي يُطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف، والجدول الآتي يوضح أمثلة احتوت على كنايات عن نسبة:[٢]


الــــــــمــــــــــــثال
توضيـــــح الكــــنايــــة عــــن نســــبة
قال زياد الأعجم في مدح ابن الحشرج:
إنّ السماحة والمروءة والندى *** في قبة ضربت على ابن الحشرج
في هذا البيت أراد أن يثبت الشاعر المعاني والأوصاف للممدوح واختصاصه بها، ولو شاء أن يعبر عنها بصريح اللفظ لقال: إن السماحة والمروءة والندى مجموعة في الممدوح أو مقصورة عليه، ولكنه عدل عن التصريح إلى الكناية، فجعل كونها في القبة المضروبة عليه كأنّها فيه.
قال أبو نواس مادحًا:
فما جازه جود ولا حلّ دونه *** ولكن يسيــــر الجــود حــيث يسير
أراد الشاعر أن ينسب إلى ممدوحه الكرم، أو أن يثبت له هذه الصفة، ولكنه بدلًا من أن ينسب إليه الكرم صراحة فيقول: "هو كريم"، كنّى عن نسبة الكرم إليه بقوله: "يسير الجود حيث يسير".
قال الشاعر:
اليُمــن يتبـــع ظــلّه *** والمجــد يــمشـي فــي ركابــه
في هذا البيت لم يصف الشاعر الممدوح بأنه ميمون الطلعة، ولكنه قال إنّ اليمن يتبعه أينما سار، واتباع اليُمن ظله يستلزم نسبته إليه.
قال الشاعر:
يبيتُ بمنجاة من اللوم بيتها *** إذا ما بيوت بالملامة حلّت
نفى الشاعر في البيت اللوم عن المرأة، وأنها لا تُلام على شيء من الفجور، وذلك بنفيه عمّا يُنسب إليها وهو بيتها، وفي هذا البيت كناية نسبة.


مثال تدريبي

هات أمثلة على الكناية عن النسبة ثم وضحها:[٣]

  • قال الشاعر: إنّ في ثوبك الذي المجد فيه *** لضياء يُزري بكل ضياء، أراد الشاعر أن يثبت المجد للممدوح فترك التصريح بهذا وأثبته لما له تعلق به وهو الثوب، فالكناية كناية عن نسبة.
  • قال يزيد بن الحكم في مدح المهلب: أصبح في قيدك السماحة والمجــ *** د وفضل الصلاح والحسب، كناية عن نسبة، لأنّه أراد أن ينسب إلى ممدوحه السماحة والمجد، وما بعدهما فادّعى أنها قيده وأسره، وطوع أمره، ويلزم من ذلك نسبتها إليه.
  • وصف أعرابي امرأة فقال: تُرخي ذيلها على عرقوبي نعامة: في هذا الوصف كناية عن نسبة، لأنّه بدل أن يصف المرأة بالسقم والنحول مباشرة، وبدل أن يقول إنّ ساقيها في الصلابة واليُبس كعرقوبي نعامة، ادّعى أن ذيلها يستر منها ساقين نحيلين، وهذا يفيد نسبة النحول إليها.


بلاغة الكناية عن نسبة

يلجأ البليغ إلى استخدام الكناية لأسباب معينة، وليس لمجرد ميله إلى التفنن في اختيار ما يناسب المقام من علوم البيان، ومن المقامات التي تستخدم فيها الكناية عن نسبة، وضع المعاني المجردة في صورة المحسوسات، وهذا يجعلها أقرب إلى الذهن والمخيلة ومن ذلك مثلًا قول الشاعر: "أنّ في ثوبك الذي المجد فيه"، صور المجد في ثوب الممدوح كناية عن نسبة المجد إليه بشكل غير مباشر و غير صريح، ومن خواص الكناية أيضًا أنّها تمكن الشخص من التعبير عن مشاعر معينة مثل الغضب، أو النيل من الخصم دون أن تخدش الكلمات الأدب والذوق العام، وكأن القائل يغلف كلامه بغلاف جميل، دون استخدام الشتائم التي لا تليق، وقد يعتمد البليغ ذلك في بعض الأوصاف كوصف الأعرابي السابق لأمرأة بأنّها ترخي ذيلها على عرقوبي نعامة بدلًا من قوله إنها نحيلة وسقيمة.[٤]


إضاءة حول الكناية

سبقت الإشارة إلى أنّ الكناية يصح أن يُراد بها المعنى الحقيقي، ومن هنا يُعلم أن الفرق بين الكناية والمجاز صحة إرادة المعنى الأصلي في الكناية دون المجاز، فالمجاز لا يقصد به المعنى الأصلي، وقد يمتنع إرادة المعنى الأصلي في الكناية لخصوص الموضوع كقوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى"،[٥] كناية عن تمام القدرة وقوة التمكن والاستيلاء، لذلك يجب الانتباه إلى هذه النقطة عند التفريق بين الكناية والمجاز.[١]


المراجع

  1. ^ أ ب أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 286-288. بتصرّف.
  2. عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 217-218. بتصرّف.
  3. علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، صفحة 129. بتصرّف.
  4. عبد الباقي الخزرجي ، الكناية وأنواعها، صفحة 3-4. بتصرّف.
  5. سورة طه، آية:5