التشبيه هو أحد موضوعات علم البيان أحد فروع علم البلاغة، وهو علم يختصّ بالبحث في الأشكال البلاغية القادرة على أن تعبّر عن معنى واحد بطرق متعددة، وتتفرّع علوم البيان لتشمل عناوين كثيرة؛ منها الاستعارة بشقيها (تصريحية ومكنية)، والمجاز بنوعيه (المرسل والعقلي) والتشبيه بأقسامه المتعددة وهذا ما سنتناوله في هذا المقال.


تعريف التشبيه وبنية تركيبه

يعرّ ف التشبيه بأنّه بيان أن شيئاً ما يشارك غيره في صفة أو أكثر باستخدام أداة التشبيه كالكاف وغيرها،[١] وفي الآتي أمثلة على التشبيه:[٢]


البيت الشعري
التوضيح
قال المعري:أنتَ كالشّمسِ في الضِّياءِ وإنْ جا*** وَزتَ كيوانَ في عُلُوّ المكانِ
يرى الشاعر أن الممدوح مشرق الوجه؛ فأراد أن يأتي له بمثيل فيه صفة الإشراق قوية، فلم يجد أقوى من الشمس فشبّهه بها، ولبيان الشبه استخدم أداة الكاف.
وقال الآخر:أنتَ كاللّيثِ في الشَجاعَةِ والإِقـ *** دامِ والسّيفِ في قِراعِ الخُطوبِ
رأى الشاعر في الممدوح صفتين، هما الشجاعة ومصارعة الشدائد، فبحث له عن شبيهين في كلّ منهما صفة من هاتين الصفتين قوية، فشبّهه بالأسد في الأولى (الشجاعة) وشبّهه بالسيف في الثانية (مصارعة الشدائد) وبيّن هذا التشابه باستخدام الكاف.
وقال آخر:كـأنَّ أَخْـلاقَــكَ في لُـطـفِـهـا***ورِقّــةٍ فـيـها نسـيـمَ الصَّباحِ
وجد الشاعر أنّ أخلاق صديقه لطيفة رقيقة ترتاح لها النفس، فبحث عن شيء تتضح فيه صفة اللطف والرقة فكان نسيم الصباح؛ لذا شبّه أخلاق صاحبه بنسيم الصباح مستخدماً الأداة كأن.
وقال آخر:كَـأنّـمـا الـمـاء فـي صـفـاءٍ*** وقَـدْ جَــرى ذائِــبُ اللُّـجَـيـنِ
في البيت الآخر بحث الشاعر عن شيء يشبه الماء في الصّفاء، فرأى أنّ الفضة السّائلة تتجلّى فيها هذه الصفة بقوة فشبّه الماء بها واستخدم الأداة كأن.


إذن يمكنك أن تلاحظ من خلال الأمثلة السابقة أن شيئًا ما جُعِلَ شبيه شيء آخر في صفة مشتركة بينهما، والذي دلّنا على هذا الشبه أداة هي "الكاف" أو "كأنّ"، وهذا هو التشبيه.


أركان التشبيه

أركان التشبيه أربعة، هي:

  • المشبه.
  • المشبه به
  • أداة التشبيه.
  • وجه الشبه.


ولا بُدّ من حضور هذه الأركان جميعًا حضورًا حقيقيًا أو تقديرًا في البنية حتى تكون تشبيهًا؛ فإذا غاب أحد هذه الأركان ولم نستطع تقديره في الإعراب فلا يصح القول أن هناك تشبيهًا، بل ستتحول البنية إلى موضوع آخر من موضوعات علم البيان، أمّا إذا حُذف أحد هذه الأركان وتمكّنا من استحضاره بالتقدير فإنه يمثل أحد أنواع التشبيه، وفيما يلي أمثلة توضّح حضور أركان التشبيه وحذفها في بعض الأبنية.


المثال
المشبه
المشبه به
أداة الشبه
وجه الشبه
الناس كأسنان المشط في الاستواء
الناس
أسنان المشط
الكاف
الاستواء
يقول الشاعر:
أنت نجمٌ في رفعةٍ وضياءٍ *** تجتليكَ العيونُ شرقًا وغربًا
أنت
نجم
محذوفة
الرفعة والضياء
الكل متعبون...أرْخَو رؤوسَهُم على حَوائِطِ القِطارِكأنّهم عَجائِزُ تَهَدّموا على جَدارٍ
الكل
عجائز
كأن
محذوف (أشياء متراكمة لا تتحرك)
كيف كان محمّد في المعركة؟ - كالأسد في الشجاعة
محذوف (في جملة الخبر)
الأسد
الكاف
الشجاعة
رُبّ ليلٍ كأنّه الصبحُ في الحُسـ *** ـن وإن كان أسودَ الطيلسانِ
ليل
الصبح
كأن
في الحسن
الــعُــمــرُ مــثــلُ الـضّــيــفِ *** أو كـالـطّـيـفِ لـيـس لـه إقـامة
العمر
الضيف
مثل
ليس له إقامة
العمر
الطيف
الكاف
ليس له إقامة
كلامُ فُلان كالشّهدِ في الحلاوة.
كلام فلان
الشهد
الكاف
في الحلاوة


تنويه

تعدّ أداة التشبيه العنصر المهم الذي تقوم عليه عملية التشبيه، لأن لها فاعلية في إنتاج المشابهة بين المشبه والمشبّه به، ولا تقتصر أداة التشبيه على "الكاف" و"كأن" وحدهما؛ إذ توجد أدوات أخرى تشمل الأحرف والأسماء والأفعال.


بنية التشبيه
الأداة
نوع الأداة
وطني أَزُفُّ لك الشّباب *** كأنّه الزهرُ الندي
كأنّ
حرف
قلبه مثل الحجارة قسوة وصلابة
مثل
اسم
إني وجدتُ زهيرًا في مآثرهم *** شبه الليوث إذا استأسدتهم أسدوا
شبه
اسم
رأت عيني لمنكرةٍ قوامًا *** ووجهًا يشبه البدر التماما
يشبه
فعل


أقسام التشبيه من أوجه مختلفة

رأينا أنّ التشبيه يتكوّن من أربعة أركان، هي: المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه، وعرفنا أن هذه الأركان قد تكون حاضرة جميعها، أو قد يغيب أحدها مع إمكانية تقديره، وعلى أساس حذف أحد أركان التشبيه ووجوده ينقسم التشبيه إلى عدّة أقسام منها:


  • قسما التشبيه من حيث ذكر الأداة وحذفها:


هو ما ذكرت فيه أداة التشبيه
مثل قوله تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءَهُ لم يجدهُ شيئًا وَوَجَدَ اللهَ عندّهُ فوفّاهُ حسابه".[٣]
التشبيه المؤكد
هو التشبيه الذي حذفت منه أداة التشبيه.
مثل قول الشاعر:
أنت نجمٌ في رفعةٍ وضياءٍ تجتليك العيون شرقًا وغربا


  • قسما التشبيه من حيث ذكر وجه الشبه وحذفه:

وجه الشبه، وهو الصفة المشتركة بين طرفي التشبيه (المشبه والمشبه به) واعتمادًا على ذكره في بنية التشبيه أو حذفه ينقسم التشبيه إلى:


التشبيه المفصّل
هو التشبيه الذي ذُكر فيه وجه الشبه
مثل قول الشاعر:
سرنا في ليلٍ بهيمٍ
كأنّهُ البَحرُ ظلامًا وإِرْهابا.
هنا يشبه الشاعر الليل بالبحر ووجه الشبه شدّة الظلام وإثارة الرعب في النفس
التشبيه المجمل
هو التشبيه الذي حُذِفّ منه وجه الشبه.
مثل قول الشاعر:
وكأنّ الشمس المنيرة دينار
جَلَتهُ حدائدُ الضَّرّابِ.
يشبه الشاعر الشمس بالدينار ولم يذكر وجه الشبه وهو اللون الأصفر الفاقع شديد اللمعان.


  • أقسام التشبيه من حيث الأداة ووجه الشبه معًا في الذكر والحذف:

اعتمادًا على اجتماع أداة التشبيه مع وجه الشبيه في بنية التشبيه ذكرًا وحذفًا ينقسم التشبيه إلى أربعة أقسام تضمّ في طيّاتها الأقسام السابقة، وبيانها في الجدول التالي:[٤]


التشبيه التام (المرسل المفصّل)
وهو التشبيه الذي ذكرت فيه الأداة ووجه الشبه معًا.
مثل قولنا: زرنا حديقةً كأنها الفردوس في الجمال والبهاء.
فالأداة مذكورة هي (كأنّها)، ووجه الشبه مذكور هو (الجمال والبهاء)
التشبيه المرسل المجمل
وهو التشبيه الذي ذكرت فيه الأداة وحُذِف منه وجه الشبه.
وصفَ أعرابي رجلًا فقال: "كأنه النهار الزاهر والقمر الباهر الذي لا يخفى على كل ناظر"، فالأداة مذكورة هي (كأنّه) ووجه الشبه محذوف، وهو الوضاءة وإشراقة الوجه.
التشبيه المؤكد المفصّل
هو التشبيه الذي حُذِفت منه الأداة وذُكر فيه وجه الشبه.

مثل: أنت نجمٌ في رفعةٍ وضياءٍ *** تجتَليكَ العيونُ شرقًا وغربا.
الأداة محذوفة تقديرها (كالنجم) ووجه الشبه مذكور وهو (الرفعة والضياء)
التشبيه البليغ (المؤكد المجمل)
وهو ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه معًا.
مثل قول الشاعر:
إذا نِلتُ منك الوُدّ فالمالُ هيّنٌ وكلّ الذي فوق الترابِ ترابُ.
شبّه الشاعر كل المخلوقات على الأرض بالتراب دون أن يستخدم أداة التشبيه ودون أن يوضّح وجه الشبه وهو عدم وجود قيمة للأشياء


أمثلة توضيحية لأقسام التشبيه:


المثال
المشبه
المشبه به
نوع التشبيه
التوضيح
قال تعالى: "ولهُ الجوارِ المُنْشآتُ في البَحرِ كالأعلامِ".[٥]
الجوارِ (السفن)
الأعلام (الجبال)
مرسل مجمل
ذُكرت الأداة وحُذف وجه الشبه
قال البحتري:
قصورٌ كالكواكِبِ لامعات ***يكَدنَ يُضِئنَ للسّاري الظلاما
 قصور
الكواكب
مرسل مفصل (تام)
ذُكرت الأداة ووجه الشبه
قال المتنبي:
فلو خُلِق الناسُ من دهرِهم *** لكانوا الظلامَ وكنت النهارا
الناس
أنت
الظلام
مؤكد مجمل (بليغ)
حُذِفت الأداة ووجه الشبه
النهار
مؤكد مجمل (بليغ)
حُذِفت الأداة ووجه الشبه
رأي الحازم ميزان في الدّقة
رأي الحازم
ميزان
مؤكد مفصل
حُذِفت الأداة وذُكِر وجه الشبه


  • قسما التشبيه من حيث إفراد وجه الشبه وتركيبه

قد يكون وجه الشبه في التشبيه صفة واحدة محددة وواضحة ومفردة، كقول الشاعر: "أنت كالبحر في السماحة"، فوجه الشبه (السماحة) وتعني الكرم صفة واضحة مفردة لا يوجد فيها تركيب أو تصوير متعدد العناصر، أمّا في قول الشاعر:

والشمس من مشرقها *** قد بدت مشرقة ليس لها حاجب

كـأنـهـا بـوتـقـةٌ أُحـمـيــت *** يـجـول فـيـهـا ذهـبٌ ذائب

فوجه الشبه هنا هو صورة شيء مستدير له لون أحمر قانٍ يتحرك بحرية، وعليه فيُقسم التشبيه:[٢]


تشبيه تمثيلي
وهو التشبيه الذي يكون فيه وجه الشبه صورة مركبة من عدة أمور
، مثل قول بشار بن برد: كأنّ مُثار النّقعِ فوق رؤوسنا *** وأسيافُنا ليلٌ تهاوى كواكبه.
في هذا البيت يشبه الشاعر سيوفهم التي تسقط لامعة على رقاب الأعداء رغم ارتفاع الغبار وعدم اتضاح الرؤيا بالكواكب أو الشهب التي تسقط من السماء في ظُلمة الليل؛ فوجه الشبه هيئة مظلمة يتوسطها شكل لامع متحرك.
تشبيه غير تمثيلي
هو التشبيه الذي لم يكن وجه الشبه فيه صورة مركبة من عدة عناصر.
مثل قول المرقش: النشرُ مسكٌ، والوجوهُ دنـا *** نيرٌ، وأطرافُ الأكفّ عنم.
في البيت ثلاثة تشبيهات كل منها غير تمثيلي، فوجه الشبه الأول (النشر مسك) هو طيب الرائحة، وفي الثاني (الوجوه دنانير) الاستدارة، وفي الثالث (أطراف الأكف عنم) اللون الأحمر، وهي وجوه شبه مفردة غير مركبة من عناصر متعددة.


في الآتي عرض لمزيد من الأمثلة التوضيحية عن التشبيه التمثيلي وغير التمثيلي:

 

مثال
المشبه
المشبه به
وجه الشبه
نوع التشبيه
قَدْ انْقَضَتْ دَولَةُ الصِّيامِ وَقَد *** 
بَشَّرَ سُقْمُ الهِلالِ بالعيدِيتـلـو الثُّريا كـفاغـرٍ شـرِهٍ *** 
يفـتحُ فاهُ لأكلِ عُـنقـودِ
1-الهلال ونجوم الثريا أمامه
إنسان شره يفتح فمه ليأكل عنقود عنب
صورة شيء مقوّس يتبع شيئًا آخر مكون من أجزاء صغيرة
تمثيلي
وما الموتُ إلا سارقٌ دقّ شخصُهُ *** يصولُ بلا كفٍّ ويسعى بلا رجلِ
2-الموت
سارق
الخفاء وعدم الظهور
غير تمثيلي
وتـراه فـي ظُـلمِ الـوغى فـتخـالُـهُ *** 
قمرًا يَـكُـرُّ عـلى الرّجالِ بكوكب
3-الممدوح وفي يده سيف لامع يشق به ظلام الغبار
صورة قمر يشق ظلمة الفضاء ويتصل به كوكب مضيء
شيء مضيء يلوّح بشيء متلألئ وسط الظلام
تمثيلي


المراجع

  1. علي الجارم، البلاغة الواضحة، صفحة 21 -22. بتصرّف.
  2. ^ أ ب علي الجارم، البلاغة الواضحة، صفحة 18. بتصرّف.
  3. سورة النور، آية:39
  4. الفيحاء راضي (2019)، "اركان التشبيه وأدواته وأغراضه وطرفاه"، أكاديميا، اطّلع عليه بتاريخ 7/9/2021. بتصرّف.
  5. سورة الرحمن، آية:24