إذا قال لك شخص: "ليس معي درهمٌ في جيبي"، فإنّ المعنى القريب إلى الذهن يفيد بأنّ الشخص ليس معه نقود أما المعنى البعيد فيفيد بأن معه أكثر من درهم أو معه دراهم، وهذا الحال هو حال التورية في اللغة العربية والتورية تندرج تحت المحسنات المعنوية في علم البلاغة، وهي لغةً مأخوذة من ورى يُوري الشيء أي أخفى الشيء، أي أنّ القائل يخفي معنى آخر خلف المعنى الذي يخطر أولًا على بال المتلقي أو السامع، وللتعرّف أكثر على معنى التورية اصطلاحًا من خلال بيان المعنى القريب إلى الذهن والمعنى البعيد عن الذهن إلى جانب توضيح أنواع التورية تفضّل بإكمال قراءة هذا المقال.[١]


تــعــــريــف التـــورية وأمــثــلة عــلــيــها

يُقصد بالتورية أن يذكر المتكلّم لفظًا مفردًا له معنيان قريب ظاهر غير مُراد وغير مقصود، وبعيد خفي وهو المُراد، ففي كل جملة تورية يجب البحث عن أمرين معنى قريب إلى الذهن غير مقصود، ومعنى بعيد وهو المقصود، والأمثلة الآتية توضّح ذلك:[٢]


الجــــــــــــــــــملـــــــة
المعــنى القـــريب من الذهــــــن وهو غـــير مقـــــــصود
المعــــنى البعـــــيد عن الـــــذهن وهو المـــقصــــــود
قال تعالى:" وهو الذي يتوفّاكم بالليل ويعلّم ما جرحتم بالنّهار".[٣]
الجرح في الجسم .
ارتكاب الذنوب والمعاصي.
" قلبي جارهم يوم رحلوا، ودمعي جاري".
الذي يجاورني في السكن.
الدمع الذي يجري.
قال بدر الدين الذّهبي:
وربوعٍ كم وجدنا طيبها حينَ ضاعَ الشيح فيها والخُزامي
ضاعَ من الضياع بسبب وجود كلمة وجدنا.
ضاع أي فاحَت وانتَشَرَت رائحته.
قال ابن نُباتة:
والنّهر يشبه مبردًا فلأجل ذا يجلو الصَّدا
الصّدا هو صدأ الحديد لوجود كلمة مبرد.
الصّدا أي العطش.
قال الشاعر:
ووادٍ حكى الخنساء لا في شجونه ولكن له عينان تبكي على صخر
صخر أخو الخنساء ودلّ عليه ذكر اسم الخنساء، وقد اشتهرت بالبكاء على أخيها ورثائه.
صخر الوادي.


تــــدريـــب

حدّد التورية في الأبيات الآتية مع تحديد المعنى القريب من الذهن غير المقصود، والمعنى البعيد عن الذهن وهو المقصود:


الجـــــــــــــمـــــــــلــــــــة
المعــــنى القريب من الذهــن وهو غير مقصـــود
المـــــــعنى البعــيد عن الذهــن وهـــو المقـــصود
قال الشاعر مودّعًا أحبابه:
للّه إِنّ الشّهد يوم فراقهم ما لذّ لي، فالصَّبر كيف يطيب؟


قال نُصيْر الدّين الحمّامي:
ومن العجائب لفظُها حُرُّ ومعناها رقــــيـــــق


قال الشاعر:
لا غروَ إِن حَفِظتَ أَحا ديث الهَـــوى فـــهي الذّكــــــيّة



أنـــــواع التــــــوريـــة

وللتورية أربعة أنواع يوضّحها الجدول الآتي:[٤]


نـــــــــــــوع التـــــــــــــــوريـــــــة
المـــــــثال مـــــــع الـــشـــــــرح
التورية المجردة :هي التورية التي لم تقترن بما يلائم المعنيين.
قول الخليل لما سأله الجبار عن زوجته: "هذه أختي"، أَراد أخوة الدين.
التورية المرشحة: هي التورية التي اقترنت بما يلائم المعنى القريب
وسميت بذلك لتقويتها به لأن القريب غير مراد فكأنه ضعيف، فإذا ذُكر لازمه تقوّى به.
قوله تعالى:" والسماء بنيناها بأييدٍ"،[٥] فالمعنى القريب من كلمة بأيد هو الجارحة ويعني الجزء من الجسد وهو غير مقصود، وذكر من لوازم ذلك البنيان فالبنيان يتم باليد، أما المعنى البعيد فهو القُدرة وهو البعيد المقصود.
التورية المبنية: وهي التورية التي يُذكر فيها لازم المعنى البعيد، وسميت بذلك لتبيين المورى عنه، بذكر لازمه، وكان قبل ذكر لازمه مخفيًا ولكن بعد ذكر اللازم اتضح.
قال الشاعر:
أَرى ذنب السرحان في الأفق ساطعًا فهل ممكن أن الغزالة تطلع
فكلمة السرحان المعنى القريب للذهن حولها هو الذئب، والمعنى البعيد هو نجم في السماء، واللازمة التي تناسب المعنى البعيد هي (في الأفق ساطعًا).
وكلمة الغزالة المعنى القريب للذهن حولها الحيوان المعروف بالغزال، والمعنى البعيد هو الشمس، واللازمة التي تناسب المعنى البعيد هي تطلع.

التورية المهيأة: والتورية المهيأة تشتمل على دلائل تقودنا إلى فهم التورية بأكملها، وليس على ركن دون غيره بالتحديد، وتكون مهيأة بلفظ قبل الكلمة أو لفظ بعده، أو قد تكون مهيأة بلفظين.
ومثال على التورية التي تتهيأ بلفظة بعدها؛ قول الإمام علي رضي الله عنه عن الأشعث بن قيس أنّه كان يحركّ الشمال باليمين، فالشمال تحتمل معنيين الأول القريب هو عكس اليمين، والثاني البعيد هو جمع شملة، وهي الكساء يشتمل به، ولولا ذكر كلمة اليمين بعد الشمال لما تنبّه السامع لمعنى اليد.
ومثال على التورية التي تتهيأ للفظة قبلها قول ابن سناء الملك:
" وأظهرت فينا من سميك سنة فأظهرت ذاك الفرض من ذاك الندب".
الفرض والندب معناهما القريب أنّهما حكمان شرعيان، ومعناهما البعيد العطاء والرجل السريع في قضاء الحوائج على الترتيب، ولولا وجود كلمة (سنة) قبلهما لما فُهم المعنى المُراد.


تـــدريـــب

ارجع إلى الأمثلة تحت عنوان "تعريف التورية وأمثلة عليها" وحدّد أنواع التورية الواردة فيها.


يمكنك الاطلاع أيضاً على مقال: (المشاكلة في البلاغة)، و(الجناس التام في الشعر)


المراجع

  1. المعاني الجامع، المعاني الجامع، صفحة 3. بتصرّف.
  2. عبد العزيز عتيق، علم البديع، صفحة 122. بتصرّف.
  3. سورة الأنعام ، آية:60
  4. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 300. بتصرّف.
  5. سورة الذاريات، آية:47