ما هو الاستطراد؟

يعرف الاستطراد لغة: هو من اطّرد الشيء؛ أي تبع بعضه بعضاً وجرى، واطّرد الكلام إذا تتابع ثم عاد وانعطف.[١]


أمّا اصطلاحاً: فهو "الانتقال من معنى إلى معنى آخر متصل به، بحيث لم يُقصد بذكر الأول التوصل إلى الثاني"،[٢] وقد عرفه البعض بأنه حسن الخروج،[١] بينما عرف أحمد الهاشمي الاستطراد بأنه: "خروج المتكلم من الغرض الذي هو فيه إلى غرضٍ آخر لمناسبة بينهما، ثم يرجع، فيَنتقل إلى إتمام الكلام الأول".[٣]


كما عرف الجاحظ الاستطراد بقوله: "هو الانتقال من موضوع إلى آخر لكي لا يملّ القارئ أو السامع"، وتجدر الإشارة إلى أنّ الاستطراد يظهر جلياً في أعمال ومؤلفات الجاحظ؛ في كتابه الحيوان والبيان والتبيين وغيرها.[١]


من أول من ابتدع الاستطراد؟

أول من ابتدع (فن الاستطراد) هو الشاعر الجاهلي السموأل بن عاديا، بدليل قوله:[٢]

وإنا لقوم لا نرى القتل سُبةً إذا ما رأته عامــر وسلول

يُقرّب حــب الموت آجــالنا وتكرهــه آجالهـم فتطـــول

وما مات منا سيدٌ حتف أنفه ولا طُلّ منا حيث كان قتيل


معنى الأبيات: يقول الشاعر نحن من قوم لا نرى القتل عيباً حين نكون في الحرب، على عكس ما تراه قبيلة عامر وسلول، ونحن نحب الموت ولا نخافه، كما يخافونه، ولا يموت منا سيد على فراشه أو فجأة، بل يقتل وهو يدافع عن قومه.


أما الشاهد: فقد استطرد الشاعر في مدح قومه، ثم انتقل إلى ذم عامر وسلول ثم رجع إلى مدح قومه، من باب أن السيد عندهم لا يموت على فراشه، وإنما يموت وهو يقاتل في الحرب بشجاعة.


أمثلة على الاستطراد

في الآتي بيان لبعض الأمثلة من القرآن الكريم والشعر على الاستطراد، وبيان بعض أنواعه:[٣][٤]

  • قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك[٥] تمثل الاستطراد في الآية في الخروج من ذكر الليل إلى قرآن الفجر، ثم العودة إلى ذكر الليل.


  • يقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ ۚ ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا[٦] في الآية الكريمة تم الانتقال من اللباس الحسي إلى اللباس المعنوي (التقوى)، ثم العودة إلى اللباس الحسي في الآية التي تليها، في قوله (ينزع عنهما لباسهما).


  • يقول حسان بن ثابت:

إِن كنت كَاذِبَة الَّذِي حَدَّثتنِي ... فنجوت منجى الْحَارِث بن هِشَام

ترك الْأَحِبَّة أَن يُقَاتل دونهم ... وَنَجَا بِرَأْس طمرة ولجام

جَرداءَ تَمزَعُ في الغُبارِ كَأَنَّها ... سِرحانُ غابٍ في ظِلالِ غَمامِ


تمثل الاستطراد في الأبيات الشعرية في الانتقال من الغزل إلى هجاء الحارث بن هشام، الذي هرب من المعركة ونجا من الموت، ثم عاد إلى الغزل مرة ثانية بقوله: "جرداء تمرغ في الغبار" إلى آخر البيت.



من أنواع الاستطراد: الانتقال من معنى إلى معنى آخر، ثم العودة إلى المعنى الأول، كما في الأمثلة السابقة.




  • يقول الشاعر:

فأقسم لو أصبحت في عزّ مالك ... وقدرته أغنى بما رمت مطلبي

فتى شقيت أمواله بنواله ... كما شقيت قيس بأرماح تغلب

ففي قول الشاعر: "كما شقيت قيس بأرماح تغلب" يظهر أنه كلام دخيل أورده الشاعر في سبيل الاستطراد، حيث بدأ الشاعر بالمدح في الكلام والشجاعة ثم انتهى إلى ذم الأعداء والإشارة إلى ضعفهم وجبنهم.[٧]




ومن أنواع الاستطراد: أن يأخذ المتكلم في معنى، فبينما يمر فيه، ينحى ويأخذ في الحديث عن معنى آخر.




المراجع

  1. ^ أ ب ت إنعام فوال عكاوي، المعجم المفصل في علوم البلاغة: البديع والبيان والمعاني، صفحة 88. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أحمد بن إبراهيم الهاشمي، توضيح شواهد جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 119. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الاستطراد"، ألوكة. بتصرّف.
  4. عبد العزيز السحيباني، من بدائع القرآن الاستطراد للتنويه بالأهم من جنس المهم، صفحة 361. بتصرّف.
  5. سورة الإسراء، آية:78-79
  6. سورة الأعراف، آية:26-27
  7. المُؤَيَّد العلوي، الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، صفحة 11. بتصرّف.