لكل شخص طريقته في التعبير عن المعنى الذي يودّ إيصاله إلى المخاطب، فبعض الأشخاص يميلون إلى التعبير عن المعنى بأقل عدد ممكن من الألفاظ من غير إخلال، في حين أنّ شخصًا آخر قد يميل إلى زيادة عدد الألفاظ على المعنى، وهو بذلك يُطنب في كلامه إذا كانت الزيادة لمعنى من المعاني وليست لمجرد الحشو الفارغ الذي لا يقود إلى فائدة، في حين أن شخصًا ثالثًا قد يجعل كلماته أو ألفاظه على قدر المعنى، وهو بذلك يكون قد اختار المساواة، ومن أمثلة الإيجاز: قيل لأعرابي يسوق مالًا كثيرًا، لمن هذا المال؟، قال: لله في يدي، وبهذا اختصر الأعرابي المعنى الذي يريد إيصاله بجملة "لله في يدي" أي أنّ الملك ملك الله وهو مُستأمن فقط على هذا المال، ومن أمثلة الإطناب قوله تعالى:" تنزّل الملائكة والرّوح فيها"،[١] ففي لفظ الروح إطناب عن طريق ذكر الخاص بعد العام فقد خصّ الله عزّ وجل الرّوح بالذّكر وهو جبريل مع أنّه داخل في عموم الملائكة تكريمًا وتشريفًا له، ومن أمثلة المساواة قوله تعالى: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"،[٢] ففي الآية جاءت الألفاظ على قدر المعاني، وهذا المقال سيوضّح معنى الإيجاز والإطناب والمساواة من خلال تعريف كلّ منها إلى جانب طرح الأمثلة والتدريبات العملية على كل قسم، مع بيان الفرق بين الإطناب والتطويل أو الحشو.[٣]


الإيجاز

يُعرّف الإيجاز على أنّه جمع المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل مع الإبانة والإفصاح، ويأتي الإيجاز على نوعين إيجاز قصر وإيجاز حذف، والجدول الآتي يوضّح تعريف كلّ منهما إلى جانب طرح الأمثلة التوضيحية:[٤]


نــــــــــــوع الإيجـــــــاز
المــــــثال التوضـــــيحــــــي
إيجاز بالقصر: يكون بتضمين العبارات القصيرة معان قصيرة من غير حذف.
في بيت شعر يُنسب للسموأل:
وإن هو لم يحمل على النفس ضيْمها *** فليس إلى حسن الثناء سبيل
في هذا البيت الشعري إيجاز قصر، لأنّ ألفاظه القليلة قد جمعت مكارم الأخلاق من سماحة، وشجاعة، وتواضع، واحتمال مكاره وحِلم وصبر، وعليه فإنّ هذه الأمور كلّها مما تضيم النفوس لما يحصل في تحمّلها من المشقة والعناء.
إيجاز بالحذف: يكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعيّن المحذوف.
قال تعالى: "وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسلٌ من قبلك"،[٥] في الآية إيجاز بالحذف لأن جواب إنّ محذوف، وتقدير الكلام وإن يكذبوك فلا تجزع.


الإطناب

يُعرّف الإطناب على أنّه زيادة اللفظ على المعنى لفائدة مثل التكرار، والاحتراس والإيضاح بعد الإبهام، وذكر الخاص بعد العام وغيرها، والجمل الآتية توضّح الإطناب:[٦]


الجـــمــــلــــــة
توضيــــــح الإطــــــناب
قال تعالى: "أفأمنَ أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون أو أمنَ أهل القُرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون".[٧]
في الآية الكريمة إطناب بالتكرار في معرض الإنذار لتقرير المعنى في نفوس السامعين وقد جاء التكرار في لفظ ( أفأمنَ، أو أمنَ، أفأمنوا، فلا يأمن).
قال تعالى: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفسٍ ذائقة الموت".[٨]
في الآية إطناب بالتذييل في موضعين أولهما قوله تعالى: "أفإن متّ فهم الخالدون"، وهذا تذييل لم يجر مجرى المثل، والثاني في قوله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت"، وهو تذييل جارٍ مجرى المثل، مع الإشارة إلى أنّ التذييل الجاري مجرى المثل يستقلّ بمعناه ويستغني عمّا قبله، أما التذييل الذي لا يجري مجرى المثل لا يستغني عمّا قبله.
*التذييل في البلاغة هو أن يُؤتى بعد الجملة الأولى بجملة أخرى تشتمل على معناها.
قال تعالى: "وقضينا إليك ذلك الأمرَ أنّ دابرَ هؤلاء مقطوعٌ مصبحين".[٩]
الإطناب في الآية الكريمة فائدته الإيضاح بعد الإبهام، لأنّ قوله تعالى "إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين"، إيضاح للإبهام الذي تضمنه لفظ الأمر، لزيادة تقرير المعنى في ذهن السامع بذكره مرتين مرّة عن طريق الإجمال والإبهام، ومرّة عن طريق الإيضاح والتفصيل.
قال أبو الطيب:
إنّي أُصاحب حِلمي وهو بي كرم *** ولا أُصاحب حلمي وهو بي جُبن
في البيت إطناب بالاحتراس في موضعين أولهما في الشطر الأول بذكر "وهو بي كرم"، وثانيهما في الشطر الثاني بذكر "وهو بي جبن".
قال النابغة الجعدي يهجو:
لو أنّ الداخلين - وأنت منهم - *** رأوكَ تعلّموا منك المطالا
في البيت إطناب بالاعتراض، فقد جاءت جملة وأنتَ منهم معترضة بين اسم إنّ وخبرها، للإسراع إلى ذمّ المخاطب.


إضـــاءة

قد يخلط بعض الدارسين بين الإطناب والحشو أو التطويل، والفاصل بينهما أن الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة معينة كالاحتراس أو التذييل وغيرها، أما الحشو أو التطويل فهو زيادة ألفاظ على المعنى دون فائدة تُرجى، والإطناب من ضمن أبواب البلاغة أما الحشو أو التطويل فهو أمر غير مرغوب فيه، ومن أمثلة الحشو أو التطويل تكرار العبارات في المجاملات الاجتماعية بالمعنى نفسه لمجرد الحديث الزائد أو إشغال الوقت وليس في ذلك أي فائدة كقول إحداهن لصديقتها: ملابسك جميلة في المرة الأولى، وبعدها تكرر المعنى ذاته بأساليب أخرى مثل أعجبني تنسيق ملابسك، وأعجبتني الألوان، وخامة القماش ممتازة.... إلخ من المجاملات المعروفة والمألوفة في الأوساط الاجتماعية.


المُساواة

إذا جاءت المعاني بقدر الألفاظ، والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض، فإنّ الجملة في هذه الحالة تندرج تحت المساواة، والجمل الآتية جميعها احتوت على المساواة بحيث لا يمكن زيادة أي لفظ عليها أو إنقاصه لأنّ ذلك سيخلّ بالمعنى:[١٠]

  • قال تعالى: "وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله".[١١]
  • قال الشاعر: سَتُبدي لك الأيّام ما كنتَ جاهلًا *** ويأتيكَ بالأخبار من لم تزوّد
  • قال الشاعر:

ولمّا قضينا من منى كل حاجة *** ومسّح بالأركان من هو ماسح

وشدّت على دهم المطايا رحالنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسألت بأعناق المطيّ الأباطح


مثال تدريبي (1)

ميّز الإيجاز من الإطناب في الجمل الآتية، ثمّ وضّح نوع الإيجاز، والفائدة من الإطناب:[١٢]


الجـــــملـــــة
توضـــيـــــــح الإيـــجــــــاز أو الإطــــنــــاب
قال تعالى: "واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدّكم بأنعامٍ وبنين وجناتٍ وعيون".[١٣]
في الآية الكريمة إطناب بالإيضاح بعد الإبهام، فإنّ ذكر الإنعام والبنين توضيح لما أُبهم قبل ذلك في قوله تعالى "بما تعلمون".
قال تعالى: "قالت أنّى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أكُ بغيا".[١٤]
في الآية الكريمة إيجاز بالحذف، وقد حذفت النون تخفيفاً من لفظ أكُ والأصل لم أكن بغيا.
قال تعالى: "وما تلك بيمينك يا موسى، قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى".[١٥]
في الآية الكريمة بسط سيدنا موسى عليه السلام الكلام محبة للحديث مع الله سبحانه وتعالى، لأنه يكلم الله وسعيد بهذه المنزلة لذلك أطال وكان كافيًا قوله: "هي عصاي أتوكأ عليها"، وجاء الإطناب للرغبة في إطالة الحديث.
جاء في رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كسرى: "أَسلِم تَسلَم".
في هذه الرسالة إيجاز بالقصر أي اعرف الإسلام واُدخل فيه وسلّم أمرك لله، بالانقياد له والتحرّر من الشرك فإذا أسلمتَ وسلّمت أمرك لله ستسلم من أمور كثيرة.
قال تعالى: "ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرأس شيبا".[١٦]
معنى الآية الكريمة يُختصر في كلمة (كبُرتُ) ولكن الإطناب جاء في التشبيه لتقوية المعنى وتوكيده.
قالت أعرابية لرجل: "كَبَتَ الله كل عدوّ لك إلا نفسك".
في هذا القول إطناب بالاحتراس لأنّ نفس الإنسان تجري مجرى العدو له، وتدعوه إلى ما يوبقه".
قال تعالى: "فإنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا".[١٧]
في الآية الكريمة إطناب عن طريق التكرار، تكرار (إنّ مع العُسر يسرا).
قال تعالى: "ولكم في القصاص حياة".[١٨]
في الآية الكريمة تخويف للقاتل، وحقن للدماء، وشعور بالأمن والأمان إذا طُبّق القصاص، وهذا إيجاز.


مثال تدريبي (2)

اُكتب أمثلة على الإيجاز مع توضيح نوعه:


الجــــــــمــــلــــة
توضـــيـــــح الإيجــــــــــــاز في الجــــــمــــلــــة
قال تعالى: "وجاهدوا في الله حقّ جهاده".[١٩]
الإيجاز في حذف جملة في سبيل الله.
قال تعالى: "وإذا مرّوا باللغو مرّوا كرامًا".[٢٠]
الإيجاز في الآية إيجاز بالقصر، فمقتضى الكرامة في كل مقام شيء، في مقام النهي نهي، وفي مقام النصح نصح، وفي مقام الإعراض إعراض.
قال تعالى: "كان النّاس أمّة واحدة فبعث الله النبيين".[٢١]
الإيجاز في حذف جملة فاختلفوا ثم بعث الله النبيين.
قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنّ الله".[٢٢]
الإيجاز في حذف جملة خلقهنّ الله.
قال تعالى: "فزادتهم رجسًا إلى رجسهم".[٢٣]
الإيجاز في حذف جملة مضافًا إلى رجسهم.
قال تعالى: "فإن كذّبوك فقد كُذّب رسلٌ من قبلك".[٢٤]
الإيجاز في حذف جملة فتأسّ واصبر، فالرسل قد كُذّبوا من قبلك.


مثال تدريبي (3)

هات أمثلة على الإطناب مع توضيح فائدته:[٢٥]


الجـــــــــــمــــلــــة
توضـــــيح الإطــــناب في الجــــملــــة وتوضيـــــح فائـــــدتــــه
الرجال ثلاثة: واحدٌ يعرف بالأمر قبل وقوعه فيحتال له ليمنع وقوعه وهو الفَطِن، وثانٍ لا يعرف بالأمر حتى وقوعه فإذا وقع عرف كيف يخرج منه وهو اللبق، وثالث لا يعرف بالأمر حتى وقوعه، فإذا وقع لم يعرف كيف يخرج منه وهو البليد الأحمق.
في هذه الجملة إطناب لفائدة الإيضاح بعد الإبهام، فبعد قول الرجال ثلاثة جاء توضيح أنواعهم، لتفصيل المعنى وشرحه.
قال الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إنّ السفينة لا تجري على اليَبَسِ
في هذه الجملة إطناب لفائدة التذييل، وهو تذييل جار مجرى المثل في جملة إنّ السفينة لا تجري على اليَبَس إذ تصلح هذه الجملة أن تكون مثلًا، وهي تؤدي المعنى نفسه في الشطر الأول (ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها).
قال نافع الغنوي:
رجالٌ إذا لم يقبل الحق منهمو *** ويعطوه عاذوا بالسيوف القواضب
في كلمة يعطوه إطناب الهدف منه الاحتراس، فلولا وجود كلمة يعطوه لفُهم أنّ هؤلاء الرجاء يلجؤون إلى سيوفهم لمجرد عدم قبول الحق منهم، في حين أن المعنى مع وجود كلمة يعطوه يفيد أنّهم لا يفزعون إلى سيوفهم إلا في حالة عدم قبول الحق منهم، وامتناع العدو عن إعطائهم حقهم.
قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:
وإنّ صخرًا لتأتم الهداة به *** كأنّه علمٌ في رأسه نارٌ
معنى البيت يتمّ دون كلمة كأنّه علمٌ، ولكن الإطناب في جملة كأنّه علمٌ إطناب الفائدة منه الإيغال في المعنى، فالخنساء لم تكتفِ في تشبيه أخيها الذي يأتمّ الهداة به بالعَلَم وهو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، ولكنّها أوغلت بذكر ( في رأسه نار)، فأعطت البيت بذلك قافيته، ثمّ أضافت بهذه الزيادة على معنى البيت التام معنى جديدًا وهو أنّ أخاها لا يشبه الجبل المرتفع فقط، ولكنّه يشبه الجبل الذي فوق قمته نار.


مثال تدريبي (4)

اكتب ثلاثة أمثلة على المساواة :

  • قال تعالى:" من كفر فعليه كفره"[٢٦].
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكل امرئ ما نوى".[٢٧]
  • قال الأعشى في اعتذاره لأوس بن لأم عن هجائه إيّاه:

وإنّي على ما كان مني لنـــــادم *** وإنّي إلى أوس بن لأم لتائــب

وإنّي إلى أوس ليقبل عذرتـــي *** ويصفح عني ما حييت لراغـب

فهب لي حياتي فالحياة لقائـــــمٍ *** بشكرك فيها خير ما أنت واهب

سأمحو بمدحي فيك إذ أنا صادق *** كتاب هجاء سار إذ أنا كــــاذب


إضــــــاءة

تجدر الإشارة إلى أنّ دواعي الإيجاز كثيرة منها تسهيل الحفظ والاختصار، وضيق المقام، والضجر أو السآمة، والرغبة في حصر المعنى الواضح بأقل عدد ممكن من الألفاظ، ويُستحسن الإيجاز في الاستعطاف، والاعتذارات، والوعد والوعيد، ورسائل الملوك، والشكر على النعم، وللإطناب دواعٍ كثيرة أيضًا منها: تثبيت المعنى، وتوضيح المراد، والتوكيد، ودفع الإيهام، أمّا بالنسبة للمساواة فهي الأصل المطلوب والذي يُقاس عليه، بمعنى عندما تكون الألفاظ على قدر المعاني والمعاني على قدر الألفاظ فهذا هو الأساس.


المراجع

  1. سورة القدر، آية:4
  2. سورة فاطر، آية:43
  3. علي الجارم ومصطفى أمين ، البلاغة الواضحة البيان والمعاني والبديع، صفحة 257-239. بتصرّف.
  4. سورة فاطر، آية:4
  5. سورة الأعراف، آية:99-97
  6. سورة الأنبياء، آية:34
  7. سورة الحجر، آية:66
  8. سورة البقرة ، آية:110
  9. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 201. بتصرّف.
  10. سورة الشعراء، آية:133-132
  11. سورة مريم ، آية:20
  12. سورة طه، آية:18-17
  13. سورة مريم، آية:4
  14. سورة الشرح ، آية:6-5
  15. سورة البقرة ، آية:179
  16. سورة الحج، آية:78
  17. سورة الفرقان، آية:72
  18. سورة البقرة ، آية:213
  19. سورة الزمر، آية:38
  20. سورة التوبة، آية:125
  21. سورة آل عمران ، آية:184
  22. عبد العزيز عتيق، علم المعاني، صفحة 193-192. بتصرّف.
  23. سورة الروم ، آية:44
  24. رواه الألباني، في غاية المرام ، عن عمر بن الخطاب ، الصفحة أو الرقم:401، صحيح.